مقدمـــة عـــامـــة
لا بد لكل مجتمع من إدارة تتولى تسيير ثرواته وتدبير شؤونه التي تزداد مع مرور الزمن تعقيدا و تنوعا ولقد توافرت في جميع الأزمات بنيات نظمت حياة المواطنين باعتبارها أمكنة للانتقاء والتواصل.
إن اللامركزية نظام إداري يخول للجماعات المحلية سلطة تدبير شؤونها الخاصة بواسطة ممثليها المنتخبين وذلك تحت وصاية السلطة المركزية مما يعني تمتيعها بقدر من التسيير الذاتي المحلي خاصة فيما يتعلق بالقضايا التي تهم المواطنين بصفة مباشرة.
والجماعات المحلية هي شخص من أشخاص القانون تتوفر على شخصية معنوية واستقلال مالي في شكل وحدات ترابية تنقسم إلى جماعات حضرية وجماعات قروية وبهذا المفهوم يكون من الصعب الحديث عن جماعات محلية في مغرب ما قبل 1912، فالمركزية كانت القاعدة العامة التي تدبر بها شؤون المغاربة فالدولة دولة سلطانية يعتبر في إطارها الخليفة مصدر كل سلطة وصانع كل قرار فكانت هذه الحقبة تطبق فيها السياسة الشرعية ومفاهيم الأدبيات السلطانية. فالمغرب شأنه في ذلك شأن كل البلدان الإسلامية لم يعرف الديمقراطية لا ممارسة ولا مفهوما ولم يعرف بالتالي جماعات محلية معترف بها قانونيا إلا بعد الاحتكاك بالثقافة الأوروبية في عهد الحماية الفرنسية للمغرب حيث انهالت على الساحة الحقوقية المغربية سيل من النصوص القانونية التي تؤطر الدولة والجماعات فأنشأت سلطات الحماية جماعات حضرية تتمتع مبدئيا بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي كما أحدثت وحدات محلية منحت في إطارها صفة بلدية لستة عشر مدينة كما احدث نظام خاص لكل من مدينتي فاس والدار البيضاء لكن رغم ذلك فقد كانت السياسة التي طبعتها الحماية الفرنسية فيما يتعلق بالجماعات المحلية يهدف إلى حماية مصالح فرنسا بالمغرب.
وبعد حصول المغرب على الاستقلال سيحاول وضع نصوص قانونية تنظم عمل الجماعات المحلية وهكذا صدر ظهير شريف في فبراير 1959 الذي تعلق بالتقسيم الإداري للمملكة ثم صدر قانون فاتح شتنبر 1959 المتعلق بالانتخابات الجماعية الذي اخذ بأسلوب الاقتراع الأحادي الاسمي الذي كان يهدف إلى إعطاء كل الحظوظ للأعيان المحليين والقواد الكبار وقد كرس هذا الهدف ظهير 23 يونيو 1960 المحدد لاختصاصات المجالس الجماعية المنتخبة والسلطات المحلية. ورغم صدور العديد من النصوص القانونية المنظمة لعمل الجماعات المحلية إلا أننا لم نجد نصا قانونيا ينص على وجود كاتب عام داخل الجماعة لذلك لا يمكننا الحديث عن شيء اسمه مؤسسة الكاتب العام قبل سنة 1976. لكن ونظرا للقفزة النوعية والتطور الايجابي الذي عرفه التنظيم الجماعي بالمغرب في ميدان تعزيز الديمقراطية المحلية وإدارة الشؤون الجماعية وبفضل الميثاق الجماعي الصادر في 30 شتنبر 1976 أضفت اللامركزية مكسبا قائما بذاته واختيارا لا رجعة فيه مما يؤكد المكانة الهامة التي باتت تشغلها الجماعات المحلية في الحياة السياسية وفي النسيج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ليأتي بعد ذلك المرسوم رقم 2.77.738 بتاريخ 13 شوال 1397 (27 شتنبر 1977) بمثابة النظام الأساسي لموظفي الجماعات والذي أعطى لمؤسسة الكاتب العام وجودا قانونيا داخل المنظومة الجماعية لكن رغم إحداث هذا المنصب على المستوى القانوني إلا انه لم يبدأ العمل به فعليا إلا مع بداية الثمانينيات من القرن الماضي كما تميزت مؤسسة الكاتب العام خلال هذه المرحلة بالتهميش وحدودية الاختصاصات إلى أن جاء الميثاق الجماعي لسنة 2002 الذي كرس جملة من التراكمات الايجابية وإصلاح الاختلالات التي اعترت ربع قرن من الممارسة للشأن المحلي مستهدفا تعزيز البناء الديمقراطي ومبلورا الجماعة المحلية كشريك استراتيجي للدولة في تقديم الخدمات للسكان والمساهمة في التنمية المحلية. كما وسع أيضا هذا الميثاق من اختصاصات مؤسسة الكاتب العام وحاول إخراجه من وضعية التهميش حيث جاء بمقتضيات جديدة ومجددة على أكثر من صعيد بيد أن بروز جملة من المتغيرات الداخلية والتحولات الدولية إضافة إلى الثغرات التي اعترت ميثاق 2002 والتي أظهرتها الممارسة العملية هذا إلى إعادة النظر في نصوصه من اجل تفعيل دور الجماعات المحلية وتعزيز مكانة الهيئات المنتخبة من هنا يأتي إصدار القانون رقم 17.08 المغير والمتمم بموجبه القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي كما تم تغييره وتتميمه ولعل من الأمور التي تناولها الميثاق الجماعي الجديد ما يخص تطوير الإدارة الجماعية ودور الموظف الجماعي في التدبير الجماعي وذلك عبر تطوير ودعم اختصاصات الكاتب العام الذي يشكل عنصرا مهما في الإدارة الجماعية من هذا المنطلق سنحاول تقسيم البحث إلى قسمين، القسم الأول سنخصصه للإطار القانوني لمؤسسة الكاتب العام وتطور اختصاصاته منذ سنة 1977 أما القسم الثاني فسنتناول فيه مؤسسة الكاتب العام من حيث الممارسة.
- المرفقات
- القسم-الأول.doc
- telecharger
- لا تتوفر على صلاحيات كافية لتحميل هذه المرفقات.
- (397 Ko) عدد مرات التنزيل 80