المقدمة:
تعتبر مؤسسة العامل من أولى المؤسسات التي يتم الإسراع بهيكلتها و تنظيمها لمغرب ما بعد الحماية ، لما لهذه المؤسسة من قيمة سياسية و رمزية في النسق السياسي و الإجتماعي المغربي ، على طول تاريخ ملوكه .و هذا الموضوع من خلال جزئه الأول (المبحث الأول ) ، سيقوم بتحليل و مناقشة ، تطور مؤسسة العامل ، من تاريخ صدور أول ظهير ينظم اختصاصاتها ، ظهير ( 20 مارس 1956 ) إلى غاية دستور 1996.مبرزا المحطات التي مرت منها ؛ كسلطة و كجماعة محلية ( رغم أنالموضوع لم يقم بتحليل قوانين الجماعات المحلية ) و كمؤسسة لتنسيق و تدبير المصالح اللاممركزة.
كما أثار الجزء الأول مسألة هيمنة دورالعامل كرجل جماعة محلية ، من خلال الدساتير الخمسة الأولى ، على حساب باقي الإختصاصات و الأدوار ، مقارنة ما تم إنتاجه على مستوى التشريعات العادية من سلط و أدوار جد هامة لم تلقى طريقها للدسترة. وأيضا تمت الإشارة ، إلى كيفية ميلاد مؤسسة الوالي منذ مرسوم1981 و ما لحقه من تطورات.
أما الجزء الثاني ( المبحث الثاني ) ، فقد كان موضوعه، مؤسسة الوالي ، و اختصاصاته ، مقارنة بدستور 1996 و دستور 2011 ، من خلال نموذج المصالح الخارجية لوزارة الداخلية ( المراكز الجهوية للإستثمار ) و المفهوم الجديد للسلطة و اللامركزية الإدارية ( 1999 و2011 ).
فالخطاب الملكي ليوم 12 أكتوبر 1999 ، حرص على أن تقوم السلطة ،وفق المفهوم الجديد ، على تحقيق التوازن بين الأمن و الإستثمار و الحريات ، لأن اللاتوازن هذا،
يظل عائقا لتطور الإقتصاد الوطني من خلال بوابة الإستثمارات الخاصة .
فيما الرسالة السامية الموجهة إلى الوزير الأول في موضوع التدبير اللامتمركز للإستثمار ليوم ( 09 يناير 2002 ) ، كانت الإطار القانوني و التنظيمي ، الذي معه تم ترجمة المفهوم الجديد للسلطة إلى إجراءات ، عبر مؤسسة الوالي ، و لتجد هذه المؤسسة فيما بعد طريقها نحو باقي التشريعات ذات الصلة، و خاصة التشريع على المستوى اللامركزي ( 03 أكتوبر 2002 ) ؛ القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي الذي وقع تغيره وتتميمه بالقانون رقم 17.08، والقانون رقم 79.00 المتعلق بتنظيم العمالات و الأقاليم .
غير إنه مع دستور 2011 ، سوف يتم تمكين الجهة وباقي الجماعات الترابية ، من مجموعة من المرتكزات و المبادئ الجديدة ، القادرة على الإرتقاء بالجماعات الترابية ، إلى منظومة إدارية و تدبيرية و سلطوية ، باختصاصات مقترنة بتحمل كامل المسؤولية ، في ظل نظام ترابي لامركزي قائم على الجهوية المتقدمة.و بالتالي أصبت علاقة الجماعات الترابية ، بالولاة والعمال ، قائمة على أساس ثلاث مستويات :
/ مستوى العلاقة مع ولاة الجهات ,
/ مستوى العلاقة مع الولاة ,
/ مستوى العلاقة مع عمال الأقاليم و العمالات .
و أمام هذا المشهد ، فإن دور ولاة الجهات , الولاة , عمال الأقاليم والعمالات كرجال جماعات محلية أو بعبارة أدق " رجال جماعات ترابية " ، أصبح غير ممكن تحقيقه في ظل تغير مفهوم اللامركزية الإدارية ، بالمملكة المغربية بموجب دستور 2011 .
و بالتالي أصبحت معه المراكز الجهوية للإستثمار ، ذلك التقاطع الضروري ما بين المركز و المحيط ، في إطار اللامركزية الإدارية ، وتعبير عن ممارسة سياسة القرب من طرف المركز ( المجلس الوزاري و مجلس الحكومة ) عبر ولاة الجهات و عمال الأقاليم والعمالات ، لتسريع عملية الإستثمارات جهويا ، في احترام تام لسلطة المحيط ، المتمثلة في رؤساء مجالس الجماعات الترابية و خاصة رؤساء مجالس الجهات ، ورؤيتهم وتصورهم للتوجه الإقتصادي للجهة ، من خلال ما يملكونه من سلطة و اختصاصات دستورية.
ولكن من أجل فهم هذا التطور ، و مناقشته ، كان لابد من طرح التساؤلات التالي :
هل نجحت مؤسسة العامل أمنيا و لم تستطع النجاح تنمويا ؟-
أم أن الإقليم كإطار للممارسة فشل في تحقيق التنمية ؟-
هل ممارسة السلطة، هي تحقيق الأمن ؟ أم التنمية ؟ أم هما معا ؟-
هل يمكن اعتبار، إحداث المراكز الجهوية للإستثمار ، حدث، ساهم في التقليص ، من اختصاصات الحكومة ؟-
ألا تعني هذه المراكز؛ تركيز مجموعة من السلط و القرارات بيد ولاة الجهات ؟-
و ماذا عن دستورية تفويض الوزراء السلطة للولاة ، وفق مقتضيات دستور 1996 ؟-
كيف يتم تعيين ولاة الجهات ، و الولاة ، و عمال الأقاليم و العمالات ؛ في ظل الدستور الجديد ؟-
ما هو موقع ، ولاة الجهات ، و عمال الأقاليم و العمالات ، ضمن المراكز الجهوية للإستثمار ، وفق المفهوم الجديد للتنظيم الترابي الإداري اللامركزي ( دستور 2011 ) ؟ و هل من مؤشرات آنية ، توضح ذلك؟-
ما هو موقع المراكز الجهوية للإستثمار ، ضمن المجال الجهوي الترابي ، الحالي ( بموجب دستور 2011 ) ؟
هل حل مشكلة الاستثمار والتنمية و السلطة ، تكمن في دسترة مؤسسة الوالي ؟ أم أن
المشكل في كيفية الممارسة ؟ أم هما معا ؟
ذلك ما سوف نعمل بالإجابة عليه من خلال مبحثين اثنين هما :
المبحث الأول: مؤسسة العامل ، التطور و التوازن ، من الإستقلال إلى دستور 1996
المبحث الثاني : مؤسسة الوالي من النجاح الأمني إلى الثقة التنموية ، المصالح الخارجية لوزارة الداخلية نموذجا ، وموقعها ضمن دستور ( 2011 )