المجالس الجهوية للحسابات
ذ أشرف البقالي القاسمي
باحث جامعي، سلك الدكتوراه،
جامعة عبد المالك السعدي،
كلية الحقوق طنجة
لقد حرص المشرع المغربي على حماية المال العام من خلال العديد من الآليات، أهمها الرقابة القضائية التي تشكل أحد الركائز الأساسية التي ينبني
عليها صرح الحكامة الجيدة للشأن العام بكل تجلياته الإدارية والاقتصادية،والمالية والقضائية والثقافية 1.
وتعد الرقابة القضائية على المال العام عنصرا مركزيا في مفهوم الحكامة، إذ تشمل تقديم الحساب وتقدير الإدارة الجيدة للنفقات العمومية، وهي بذلك تتجاوز الرقابة التقليدية التي تنصب عادة على العمليات البسيطة للتدقيق من خلال مطابقة التدبير، لتركز على مسائل أخرى تتعلق بالنجاعة والأخلاق واحترم البيئة والاقتصاد والكفاءة والمردودية وهي أهداف جوهرية لجودة الإنفاق العام.
وقد أجمع علماء المالية والاقتصاد على أهمية الرقابة القضائية على المال العام، كما أن الفقه الإسلامي هو الآخر اهتم بهذا النوع من الرقابة، حيث تضمنت كتب التاريخ الإسلامي القواعد والتعليمات التي تنظم عمل الأجهزة المكلفة بالحفاظ على الأموال العامة وكيفية جبايتها و صرفها 2.
ويجد هذا الاهتمام أسسه ومنطلقاته من كون الرقابة على المال العام تستلزم وجود جهاز قضائي يتولاها، ذلك أن التصدي الفعال لعمليات صرف المال العام، وكذلك حسن تدبيره وترشيد أدائه، لا يمكن أن تؤمنه الأجهزة الإدارية لوحدها،نظرا لمحدودية مجال تدخلها وضعف مواردها البشرية و المادية، كما لا يمكن للأجهزة السياسية أن تقوم برقابة فعالة في هذا الإطار سواء تعلق الأمر بالأجهزة المنتخبة على الصعيد الوطني أو المحلي، وهو ما يفرض وجود هيئة رقابية عليا متخصصة في الميدان المالي الوطني والمحلي، ومستقلة ومحايدة عن الجهاز الإداري و التشريعي 3
وفي هذا السياق فقد تم إحداث المجالس الجهوية للحسابات التي تعد نقلة نوعية في مجال الرقابة المالية بالمغرب، والتي جاءت كامتداد لعمل المجلس الأعلى للحسابات، ولكن يقتصر عملها على النطاق المحلي ، إذ تراقب حسابات الجماعات المحلية وهيئاتها وكيفية قيامها بتدبير شؤونها، وهي بذلك جزء لا يتجزأ من المنظومة الرقابية الوطنية إلى جانب المجلس الأعلى للحسابات وهيئات التفتيش والمراقبة الداخلية التي تدخل في إطار الرقابة الإدارية على المال العام.
فالمجالس الجهوية للحسابات تتحمل مسؤولية ووظيفة تقويم وتدبير الشأن العام المحلي وتحسين أدائه وتطوير مردوديته، وتجاوز العيوب والإختلالات التي قد تكتنفه، كما أنها لعبت دورا هاما في تخفيف العبء على المجلس الأعلى للحسابات وعلى موارده البشرية المحدودة خاصة بالنظر إلى الحقل الشاسع لمراقبة الجماعات المحلية،
كما أنها تساهم في حل المشاكل المرتبطة بالآجال التي يتطلبها نقل وثائق المحاسبة والوثائق الإدارية من الجماعات المحلية إلى المجلس الأعلى للحسابات، بالإضافة الى انها تقلص من اللجوء إلى مكاتب الخبرة و الاستشارة الأجنبية من أجل تدقيق مالية وتدبير الجماعات المحلية 4
وعموما فان الدور الذي تلعبه المجالس الجهوية للحسابات يعتبر أساسيا لبلوغ أهداف التنمية المحلية، فهي دعامة أساسية من أجل تطوير الفعالية الاقتصادية والاجتماعية.
وقد جاء التفكير في إنشاء المجالس الجهوية للحسابات، لتعزيز دور المجلس الأعلى للحسابات والذي أنشأ سنة 1979 بمقتضى قانون12-79، وتم التنصيص عليها أول مرة في الدستور المراجع لسنة 1996 الذي جعل منها مؤسسات دستورية أيضا. وحدد اختصاصها بمقتضى الفصل 98 منه، الذي حدد اختصاصاتها في مراقبة حسابات الجماعات المحلية وهيئاتها وكيفية قيامها بتدبير شؤونها، أما الفصل 99 منه فقد نص على أن تنظيم اختصاصاتها وطريقة تسييرها سوف تحدد بمقتضى قانون، وبالفعل بعد ست سنوات أصدر المشرع قانون رقم 99-62 )5 (بمثابة مدونة المحاكم المالية، وخصص الكتاب الثاني منه لهذه المجالس ، وحدد تاريخ دخوله حيز التطبيق ابتداء من سنة 2004، وهي السنة التالية على صدور المرسوم المحدد لعدد المجالس الجهوية للحسابات وتسميتها ودوائر اختصاصها. 6
وبمنح المجالس الجهوية للحسابات الصفة القضائية حذا المغرب حذو النظام الرقابي المالي الفرنسي والتونسي واللبناني والموريتاني ، و كانت التجربة الفرنسية، هي الأكثر تأثيرا في المشرع المغربي، حيث استفاد من تسعة وعشرون سنة من التجربة العملية والتراكم الفقهي والمعرفي، والاجتهاد القضائي الغني، الذي عرفته الغرف الجهوية للحسابات في فرنسا.
وقد شرعت المجالس الجهوية للحسابات، منذ تنصيبها في يناير من سنة 2004، في ممارسة الاختصاصات القضائية وغير القضائية الموكولة إليها ضمن دائرة نفوذها الترابي. فهي مؤسسات دستورية وهيئات قضائية مؤلفة من قضاة 7 ، وتخضع في إجراءاتها للمساطر القضائية، وتصدر عنها أحكام باسم جلالة الملك 8،
كما أنها مؤسسات رقابية تنصب مهامها على فحص حسابات الجماعات المحلية وهيئاتها والأجهزة العمومية المحلية الأخرى في إطار الرقابة المالية اللاحقة على تنفيذ عمليات المداخيل والنفقات العمومية المحلية كما أنها تستهدف تطوير أساليب التدبير المحلي من خلال إعمال قواعد الاقتصاد والنجاعة والفعالية وغايتها المثلى هي الرفع من مستوى أداء الجماعات والمرافق العمومية المحلية، كما أنها تتمتع بوظيفة استشارية حيث يمكن أن تعرض عليها القضايا التي تخص الإجراءات المتعلقة بتنفيذ ميزانية الجماعات المحلية، وهو ما يجعلها تساهم في الدفع بعجلة التنمية المحلية.
---------------
الهوامش
1
--محمد حركات،في إطار تقديمه لكتاب،" المحاكم المالية بالمغرب"،لمؤلفه أحمدوش مدني دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة.. مطبعة فضالة- المحمدية الطبعة الأولى سنة 2003، ص: 5.
2
- محمد رسول العموري،"الرقابة المالية العليا"دراسة مقارنة،منشورات الحلبي الحقوقية،الطبعة الأولى،سنة:2005،ص:10.
3
-عبد العالي بنعيش،"إشكالية ترشيد المالية العامة في المغرب و رهانات المحاكم المالية"،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام،بجامعة عبد المالك السعدي،كلية الحقوق بطنجة.السنة الدراسية2007/2008 .
4
- محمد المجيدي،"دور المجالس الجهوية للحسابات في تطوير أداء الجماعات المحلية"، أطروحة لنيل دكتوراه في القانون العام، السنة الجامعية 2007/2008 ،. ص:4.
5
- الظهير الشريف رقم 124-02-1 الصادر في 13 يونيو2002 بتنفيذ القانون رقم 19-62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية منشور في الجريدة الرسمية عدد 5030 بتاريخ 15 أغسطس 2002
6
- المرسوم رقم 701.02.2 الصادر في 29 يناير 2003 بتحديد عدد المجالس الجهوية للحسابات وتسميتها ومقارها ودوائر اختصاصها والمنشور بالعدد 91 من المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة نصوص ووثائق، الطبعة الأولى 2003.
7
-المادة 19 من مدونة المحاكم المالية.
8 -طبقا للفصل 83 من الدستور و المادة 101 من مدونة المحاكم المالية.
السبت 19 مارس 2011