العمل القضائي في مجال الغصب ونقل الملكية
ذ/ عبد الحميد الحمداني
رئيس غرفة بمحكمة الاستئناف الإدارية بمراكش
تقديم
إن حق الملكية حق مقدس يحرم المساس به ما لم تستدع المصلحة العام ذلك في حدود ما ترسمه القوانين لذلك، وهذا ما أجمعت عليه جميع الدساتير والمواثيق الدولة بما فيها الإعلان لحقوق الإنسان والمواطن، والقضاء يعتبر هو الحامي الطبيعي لهذا الحق، فهل ساهم القضاء الإداري خاصة منذ إحداث المحاكم الإدارية في حماية هذا الحق؟
إن أهم المجلات التي تطرح الحماية القضائية لحق الملكية العقارية للأفراد بالنسبة للقضاء الإداري هي مجالات نزع الملكية والغصب.
ففي مجال نزع الملكية تتجلى هذه الحماية لحق الملكية العقارية للأفراد بالنسبة للقضاء الإداري هي مجالات نزع الملكية والغصب.
ففي مجال نزع الملكية تتجلى هذه الحماية في بسط القانون الإداري لرقابته على مدى احترام الإدارة نازعة الملكية لمقتضيات قانون نزع الملكية وذلك انطلاقا من:
مراقبته لمشروعية القرار المعلن للمنفعة العامة.
مراقبته لمشروعية الاحتلال المؤقت.
مراقبته لمشروعية الاتفاق بالتراضي الذي تبرمه الإدارة نازعة الملكية مع المنزوعة ملكيته.
أما في مجال الغصب (الاعتداء المادي)، الذي هو موضوع هذا البحث، فإن القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.81.254 الصادر بتاريخ 6 ماي 1982 يعتبر في حد ذاته ضمانة لحماية حق الملكية العقارية بسبب ما قرره في فصله الأول من وقف تحقق نزع ملكية العقارات على التقيد بالإجراءات والكيفيات المقررة بهذا القانون وهو ما يتفق وكون حرمة حق الملكية هي القاعدة والأصل بنص الدستور والمواثيق الدولية.
أما نزع الملكية فهو مجرد استثناء من هذا الأصل تقتضي اللجوء إليه ظروف استثنائية للإدارة، وهو ما يقتضي إحاطته بمجموعة من الضمانات والقيود تحد من لجوء الإدارة إليه للحصول على العقارات الخاصة للأفراد إلا في حدود الشرعية التي تقتضي سلوكها لمجموعة من الإجراءات والمساطر والتدابير توجت بمنح القضاء الاختصاص في الإذن بالحيازة والحكم بنقل الملكية وتحديد التعويض النهائي المقابل لنزع الملكية وهو اختصاص يمكن القضاء الإداري من بسط رقابته على مدى احترام الإدارة نازعة الملكية للمقتضيات المطلوب منها سلوكها وتطبيقا للوصول إلى نزع الملكية لفائدتها.
وهكذا تولى القضاء الإداري للمحاكم الإدارية بشقيه قضاء الموضوع وقضاء الاستعجال مراقبة سلامة الإجراءات الإدارية لنزع الملكية ومراقبة سلامة الاحتلال المؤقت المقرر لصالح الإدارة من طرف نفس القانون، كما تولى المجلس الأعلى من قبل بسط رقابته على مشروعية المقرر المعلن للمنفعة العامة، وعلى مشاريع نزع الملكية، كما أن القضاء الإداري تولى كذلك بسط مراقبته على الاتفاق بالتراضي الذي ينجز بين الإدارة نازعة الملكية وبين المنزوعة ملكيتهم في إطار الفصل 42 من قانون نزع الملكية.
ومن تم فإن استيلاء الإدارة على عقار مملوك للغير سواء بصفة مؤقتة أو دائمة خارج مقتضيات قانون نزع الملكية وخارج أي اتفاق رضائي بينها وبين المالك يعتبر من قبيل الغصب والاعتداء الموصوف بعدم الشرعية لخرقه حق حرمة الملكية الخاصة، ويتحقق هذا الغصب سواء لم تسلك الإدارة الإجراءات الواجبة بمقتضى قانون نزع الملكية نهائيا أو سلكتها بطريقة غير سليمة، كما يتحقق سواء كان الاعتداء نهائيا أو بصفة مؤقتة فقط، كما يتحقق سواء كان كليا شاملا لسائر العقار أو جزئيا فقط.
والأساس القانوني للغصب والاعتداء ليس العمل المادي التنفيذي الذي تقوم به الإدارة على العقار المستولى عليه لأن ذلك، إنما هو مظهر واقعي خارجي له فقط، وإنما أساسه اعتماد الإدارة في القيام به على قرار إداري معدوم ما دامت مرجعية هذا القرار لا يمكن أن تسند إلى أي مقتضى قانوني.
وهكذا فإن انتقال الإدارة إلى تنفيذ قرار معدوم ينقل هذا النشاط التنفيذي إلى الاعتداء المادي بينما يبقى الانعدام لصيقا بالقرار في حد ذاته بمعنى أن الانعدام وأعمال التنفيذ يصبحان مندمجين ومتلازمين (أي القرار المعدوم النافذ كما عرفه بعض الفقه).
إلا أنه إذا كان الغصب والاعتداء لا ينصب على حق الملكية لذاته، وإنما على حق من الحقوق العينية والارتفاقات الأخرى التي هي في خدمة العقار كما هو الشأن بالنسبة للأشغال التي تقوم بها الإدارة خارج العقار، فإن ذلك يعد فقط من قبيل الأضرار التي تختص المحاكم الإدارية في التعويض عنها ما دامت صادرة عن شخص من أشخاص القانون العام.
ورغم أن قضاء المحاكم الإدارية عرف عند بداية إحداثها بعض الإضطراب سيما من حيث إسناد الاختصاص إليها للبت في القضايا المتعلق بالاعتداء المادي على الملكية العقارية متأثرا في ذلك على ما يبدو بقضاء المجلس الأعلى الذي كان من قبل يعتبر هذه القضايا من اختصاص المحاكم العادية، فإن القضاء الإداري للمحاكم الإدارية سرعان ما استقر على اعتبارها مختصة للبت في طلبات رفع الاعتداء المادي وإيقاف أشغاله منذ أن أقرت الغرفة الإدارية هذا الإتجاه بمقتضى قرارها الصادر بتاريخ 20/06/1996 في الملف الإداري رقم 96.150 الذي أقر اختصاص المحاكم الإدارية المذكور، ثم كرس هذا الإتجاه بعد ذلك كما في قراره رقم 658 الصادر بتاريخ 19/09/1996 الذي جاء فيه:
" وحيث إنه إذا كان الاجتهاد القضائي السابق للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى قد سار على أن المحاكم الإدارية تقتصر على الاختصاص بالنظر في دعاوى التعويض عن الأضرار الناتجة عن نشاطات أشخاص القانون العام ومنها دعاوى التعويض عن احتلال الإدارة غير المشروع لأراضي الخواص كما يفهم من الفصل 8 من قانون 41.90 المنشئ للمحاكم الإدارية دون النظر في رفع الاعتداء المادي على أساس أنه من اختصاص المحاكم العادية، فإن الاتجاه الجديد للغرفة الإدارية كما ترجمه القرار الصادر بتاريخ 20/06/1996 في الملف 150/96 هو اختصاص المحكمة الإدارية وهي بصدد البت في طلبات التعويض عن الأضرار الناتجة عن نشاطات أشخاص القانون العام في مجال الاعتداء المادي تكون ملزمة لا محالة بالبت والتأكد من قيام عناصر الاعتداء المادي والمبررات التي تتذرع بها الإدارة من جهة، ومن جهة أخرى فإنها في هذه الحالة ستنظر في شقين متلازمين لدعوى واحدة تجمعها رابطة واحدة ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، وإلا فما هي المحكمة المتوخاة من إسناد الاختصاص بالبت في طلبات التعويض عن الاعتداء المادي للإدارة إلى المحاكم العادية في الوقت الذي كان من المفروض قانونا أن يكون الاختصاص في المجالين معا موكولا لجهة قضائية واحدة.
وحيث إن الفصلين 79 و 88 من قانون العقود والالتزامات اللذين تمسك بهما المستأنف لتأكيد اختصاص المحاكم العادية للبت في النزاع الحالي المتعلق برف الاعتداء المادي للإدارة ولا مجال لهما في النازلة الحالية إذ الفصل 79 المذكور يتعلق بترتيب مسؤولية الدولة والبلديات عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها، بينما الفصل 80 المذكور يتعلق بالمسؤولية الشخصية لمستخدمي الدولة والبلديات".
وإذا كان القضاء الاستعجالي للمحاكم الإدارية يملك حق الأمر برفع الاعتداء المادي ووضع حد له سواء بطرد الإدارة أو بإيقاف الأشغال التي تمارسها على العقار، فإن قضاء الموضوع لهذه المحاكم يختص أيضا للبت في طلبات رفع الاعتداء المادي للإدارة إلى جانب البت في طلبات التعويض عن الأضرار الناتجة عن هذا الاعتداء.
ولهذا فسأتعرض لعمل كل قضاء منهما على حدة لبيان دوره في حماية حق الملكية العقارية في مجال الغصب والاعتداء المادي.
أولا: القضاء الاستعجالي.
إن القضاء الاستعجالي للمحكمة الإدارية يملك حق الأمر برفع الاعتداء المادي وذلك بطرد الإدارة من العقار المعتدى عليه وبإفراغه وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه.
كما يملك حق الأمر بإيقاف الأشغال التي تقوم بها الإدارة على العقار، وقد كان هذا هو موقف المجلس الأعلى كذلك قبل إحداث المحاكم الإدارية بمناسبة بته في الطعون بالنقض المرفوعة ضد الأوامر الإستعجالية في هذا الباب وهو موقف عرف بعض الإضطراب قبل إقراره نهائيا حسب ما يبدو من قرارات المجلس الأعلى بهذا الخصوص.
ويستمد القضاء الاستعجالي الإداري اختصاصه هذا من اختصاص المحكمة الإدارية نفسها كقضاء موضوع في مجال رفع الاعتداء المادي والتعويض عنه، لأن قضايا المستعجلات الإداري جزء من المحكمة الإدارية، ويستمد اختصاصه من اختصاصها، ويعتبر قرار الغرفة الإدارية الصادر بتاريخ 20/09/1996 تحت عدد 474، من أول القرارات التي أعطت تأويلا واسعا لمقتضيات الفصل 19 من قانون إحداث المحاكم الإدارية المتعلق باختصاص رئيس المحكمة الإدارية أو من ينوب عنه بصفته قاضيا للمستعجلات حيث جاء فيه:
... والحالة كذلك أن المحاكم الإدارية إذا كانت مقيدة من حيث الاختصاص النوعي ينص الفصل 8 من قانون 90-41 المنشئ لها فإن هذا الفصل عندما خولت البت في طلبات التعويض عن الأضرار الناتجة عن أعمال الإدارة المادية فإنها تكون من باب أولى وأخرى مؤهلة للبت كذلك في طلبات رفع الاعتداء المادي، مما يخول المحكمة الإدارية النظر في شقين متلازمين لدعوى واحدة تجمعهما رابطة واحدة ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، وإلا فما هي المحكمة المتوخاة من إسناد الاختصاص بالبت في التعويض عن الاعتداء المادي للإدارة إلى المحاكم الإدارية وإسناد الاختصاص فيما يخص رفع الاعتداء المادي للإدارة إلى المحاكم العادية في الوقت الذي كان من المفروض قانونا أن يكون الاختصاص في المجالين معا موكولا لجهة قضائية واحدة...
وحيث إنه من جهة أخرى، فإذا كان الاختصاص قبل إحداث المحاكم الإدارية منعقدا للمحاكم الابتدائية كدرجة أولى ولمحاكم الاستئناف كدرجة ثانية للنظر في دعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام وكانت هذه المحاكم تنظر في دعاوى التعويض عن الاعتداء المادي في هذا الإطار، وتقضي تبعا لذلك إذا طلب منها برفع حالة الاعتداء المادي وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه كطلب تابع أو بأمر استعجالي وقتي من قاضي المستعجلات أو بحكم قطعي بناء على طلب منفرد بذلك فإن المشرع عندما نقل اختصاص النظر في دعاوي التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام، ومنها دعاوى التعويض عن الاعتداء المادي على المحاكم الإدارية ونقل اختصاص قاضي المستعجلات الوقتية المرتبط من رئيس المحكمة الابتدائية إلى رئيس المحكمة الإدارية يكون بذلك قد نقل على المحاكم وإلى رئيسها اختصاص النظر في الطلبات التبعية، وأصبح اختصاصها بالتتبع إذا طلب منها ذلك النظر في رفع الاعتداء المادي الممارس من طرف الإدارة".
ويتوخى القضاء الاستعجالي الإداري من اختصاصه للأمر بإيقاف الأشغال إذا كانت في بدايتها أو إذا كانت للإدارة بصدد التحضير والتهيئ لها فقط تحقيق أهداف منها:
الحد من استمرار الأشغال التي قد يؤدي إلى إحداث تغييرات على العقار موضوع الاعتداء يصعب تداركها وإزالتها في إطار تصحيح المراكز القانونية التي يقتضيها إنهاء حالة الاعتداء.
حماية المال العام وذلك لأن من شأن إيقاف الأشغال الحيلولة دون قطعها أشواطا كبيرة في وضعية غير شرعية كما أن من شأن كذلك تجنيب الإدارة مصاريف التعويضات التي تترتب عن تمام تلك الأشغال.
إن طلب وقف الأشغال إجراء وقتي إلى حين بت قضاء الموضوع بشأن الاعتداء.
وتطبق على الطلبات المرفوع إلى القضاء الاستعجالي الإداري في مجال الاعتداء المادي القواعد العامة التي يخضع لها القضاء الاستعجالي عامة ومنها توفر شرطي الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق.
فبالنسبة لشرط الاستعجال، فهو تقتضيه نوعية تلك الطلبات التي تهدف إلى الحد من استفحال الاعتداء وحماية المراكز القانونية، ولقد سبق للمجلس الأعلى أن قرر بهذا الشأن بمقتضى قراره رقم 155 الصادر بتاريخ فاتح يوليوز 1983 في الملف المدني عدد: 85764.
" إن احتلال ملك الغير بدون حق ولا سند من طرف الجماعة المحلية وبنائها فيه بناءات تجارية واجتماعية يشكل وضعا غير قانوني تقتضي المصلحة العامة، وكذلك مصلحة المالك جعل حد له في أقرب وقت الأمر الذي يعطي لدعوة الإفراغ صبغة استعجال يختص قاضي المستعجلات بالنظر فيها".
ولم يكتف القرار المذكور بتقرير تلك القاعدة بل تصدى وقضى بإفراغ الإدارة من العقار موضوع الاعتداء، وهو ما سار عليه القضاء الاستعجالي بالمحاكم الإدارية، غير أنه إذا مرت مدة طويلة على الاحتلال أصبح معها العقار مرفقا عاما، فإن اختصاص قاضي المستعجلات لم يعد قائما، وهذا يحيلنا على نظرية الموازية.... قرار1343.
أما بالنسبة لشرط عدم المساس بجوهر النزاع وما يصطلح عليه بأصل الحق فليس منه البت في مسائل قانونية عن طريق مجرد استظهار الوثائق و البحث في المستندات بحثا عرضيا فقط بغية الوصول إلى إقرار صاحب الحق المستحق لحماية قضاء الاستعجال لأن من شأن ذلك استبعاد ما يثار بعض الدفوع المفتعلة والتي غايتها فقط استبعاد اختصاص وحماية هذا القضاء، غير أن وجود منازعة جدية تقتضي لأجل الحسم في جوهرها التأويل والتفسير والتقويم للأسباب القانونية المثار ولمستندات الطرفين المدلى بها سيؤدي لا محالة إلى التعرض لأصل الحق والمس بجوهر النزاع الذي هو من اختصاص قضاء الموضوع، ومن ذلك على سبيل المثال وجود منازعة جدية حول انتهاء الترخيص وصدور قرار برفض تجديده.
ومن القواعد التي قررها القضاء الاستعجالي الإداري بشأن طلبات إيقاف الأشغال:
إن طلب إيقاف الأشغال التي تقوم بها الإدارة يتعلق بإجراء وقتي استعجالي بهدف حماية حق الطالب إلى حين صدور حكم نهائي في الموضوع أو حل النزاع بطريقة رضائية.
إن أشغال البناء التي تقوم بها الإدارة على عقار الطالب بدون سند شرعي والتي لازالت في بدايتها تستوجب الأمر بإيقافها.
لا يمكن إزالة الأشغال التي لها ارتباط بالمنفعة العامة والتي ستؤدي إزالتها إلى أضرار بهذه المنفعة تفوق الضرر الناتج للمعتدى عليه.
لا يمكن إيقاف أشغال انتهى إنجازها أو قطعت شوطا كبيرا ينفي عنها حالة الاستعجال.
إن قاضي الاستعجال يختص كذلك بإصدار الأمر بالتشطيب على تسجيل مشروع مقرر التخلي على العقار المقرر نزع ملكيته نتيجة التراجع عن هاته المسطرة إذا ما تم نشر مقرر التراجع بالجريدة الرسمية.
ثانيا: قضاء الموضوع الإداري.
ويختص في طلبات رفع الاعتداء المادي للإدارة إلى جانب البت في طلبات التعويض عن الأضرار الناتجة عن هذا الاعتداء، ومن القواعد التي أقرها بشأن ذلك:
إن سلوك الإدارة لمسطرة لا يمكن لأي حال أن ينزع صبغة الاعتداء غير المشروع عن عملها ذلك و لا يمكن بأي حال أن يصحح وضع يدها الذي قامت به بدون حصولها على الإذن بالحيازة من القضاء الإداري الاستعجالي، ومن تم فالتعويض المستحق للمالك المعتدى عليه يبقى قائما في إطار نظرية الاعتداء المادي وليس في إطار نزع الملكية.
وهكذا فإن استظهار الإدارة في هذه الحالة بوثائق تفيد مباشرتها للمسطرة الإدارية لنزع الملكية لا يفيدها في شيء، كما لا يفيدها بالأحرى دفعها بأن مسطرة نزع الملكية جارية أو أنها شرعت أو تحضر لسلوكها، ولقد عثرت على قرار المجلس الأعلى –الغرفة المدني- سبق كذلك أن بت في هذا الدفع وقرر بشأنه الاعتداء يدخل في نطاق المسؤولية التقصيرية.
إن مراعاة توازن المصلحتين العامة والخاصة ومراعاة الحفاظ على المال العام يفرض أنه في حالة صيرورة المنشأة التي أحدثت على عقار الغير من قبيل الغصب مرفقا عاما يستفيد منه العموم حسب الغرض الذي أعد له يفرض أن هذا الوضع يجعل من طلب الطرد ورفع الاعتداء طلبا غير مؤسس إعمالا لمبدأ "إن المنشأة العامة متى أحدثت بشكل غير سليم لا يمكن هدمها"، لما سيترتب على ذلك تعطيل مرفق عام ذي نفع عام، ولأنه هدمها أو إزالتها يؤدي إلى أضرار تفوق الأضرار الناتجة للمعتدى على عقاره والذي يبقى بإمكانه المطالبة بالتعويض الكامل عن جميع الضرر الحاصل له من هذا الاعتداء، وهكذا يكون المال العام الذي أنفق على المنشأة وتقدير حجمها وأهميتها وما أسفر عنه كل ذلك من مرفق عام ينتفع منه العموم ويرتادونه يمنع من هدم تلك المنشأة ويحول دون رفع الاعتداء وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، ومن تم فإن حق مالك العقار موضوع الاعتداء يتحول إلى تعويض كامل فقط، وهكذا ما جعل القضاء الإداري يعمد بعد أن يتأكد بمقتضى خبرة في الموضوع إلى رفض طلبات رفع الاعتداء المادي في مثل هذه الحالة.
وقد دأب القضاء الاستعجالي بدوره على رفض طلبات الاعتداء المادي وإيقاف الأشغال في مثل نفس الحالات، ويترتب على ذلك في المقابل أنه إذا ما ثبت أن الأشغال لا زالت في بدايتها أو في المرحلة التحضيرية لها لم يترتب عنها بعد إنشاء أية منشاة، فإن إيقاف الأشغال ورفع الاعتداء أمر محمود لما في ذلك من حماية للمال العام وحماية العقار من إحداث تغييرات جدرية تغير معالمه ويصعب تداركها.
إن الدفع بسقوط الحق في التعويض عن الأضرار الناتجة عن الاعتداء المادي بالتقادم طبقا لمقتضيات المادة 106 من قانون الالتزامات والعقود دفع غير سائغ إطلاقا طالما أن الاعتداء المادي وهو عمل غير مشروع قائم باستمرار بسبب تواجد الإدارة الدائم على العقار ووضعها يدها علي، ذلك أن دعوى التعويض المذكورة إنما تقوم على أساس الحرمان الدائم من العقار المحتل وليس على أساس الحرمان من الاستغلال الذي قد يكون خاضعا لاحتساب أمد التقادم الخمسي طبقا للمادة السابقة، وقد أقرت الغرفة الإدارية في قرارها رقم 692 الصادر بتاريخ 27/06/2002 في الملف رقم 2203/4/1/2004، ما يلي:
"حيث ركز المستأنف استئنافه على أن التعويض المحكوم به قد طاله التقادم لأن عملية الاحتلال كما يقر بذلك المدعي ترجع إلى سنة 1984...
لكن حيث أن الأمر يتعلق باعتداء مادي ظل قائما طيلة سنوات، ومن المعلوم أن عملا غير مشروع من النوع يرتب دائما الحق في التعويض وأن الأمر لا يتعلق بديون في ذمة الدولة للحديث عن التقادم الرباعي أو غيره من أنواع التقادم المتعلق بالديون مما يعني أن دعوى التعويض في مثل الأحوال تظل واردة، ولا يمكن التمسك بأي حال من الأحوال بالتقادم المسقط المستدل به مما يتعين اعتبار السبب غير منتج".
وطبقا يستثنى من ذلك حالة ما إذا وضعت الإدارة لاحتلالها للعقار حدا، بحيث يمكن الشروع في احتساب أمد التقادم.
بخصوص حدود التعويض المستحق عن كل من التعويض عن الحرمان من الاستغلال والتعويض عن الرقبة أقرت الغرفة الإدارية كحد فاصل ومميز لتاريخ ابتداء واحتساب كل من التعويضين بمقتضى قرارها عدد 445 الصادر بتاريخ 18/04/2002 في الملف عدد 1629/4/1/2000 ما يلي:
" لكن، حيث لئن كان يحق للمالك المستظهر سند رسمي أو شبهة على ثبوت الملك له بأن يطلب تعويضا عن حرمانه من استغلال ملكه المعتدى عليه اعتداء ماديا وإزالة هذا الاعتداء، فإن ذلك مفيد بعدم إتمام إقامة مرفق عمومي عليه حيث لا يمكنه حينئذ إلا المطالبة بالتعويض عن رقبة من انتزع منه بصفة غير مباشرة حماية للمال العام، مع تعويض عن الحرمان من استغلال عقاره منذ الاعتداء المادي عليه إلى إتمام إحداث المرفق العام عليه".
عند يستلزم البت في مشروعية أو عدم مشروعية تواجد القانون العام على عقار في ملكية الأفراد، التأكد والبحث في ملكية هؤلاء الأفراد أولا طبقا لقواعد القانون الخاص نظرا للدفوع المثارة بشأن ملكية محل النزاع بين الطرفين، فإن ذلك يستدعي بدون شك البت في أحقية الطرفين عن طريق دعوى الاستحقاق التي تهدف إلى تمحيص وتثبيت حق الملكية لأحدهما عن طريق تقييم حججهما و هو ما لا يدخل بطبيعة الحال في اختصاص القاضي الإداري الذي تبقى حمايته لحق الملكية رهينة بثبوتها خالصة للمعتدي عليه بدون أية منازعة جدية للمعتدي، وإلا فإن الأمر يتطلب حسم تلك المنازعة في جوهر حق الملكية من أساسه عن طريق القضاء العادي.
أما فيما عدا ذلك فإن القاضي الإداري هو قاضي الموضوع عليه عندما يدفع أمامه بعدم صحة تملك المدعي أو تلقائيا ما دامت الصفة في الدعوى من النظام العام، عليه أن ينذر المدعي بإثبات صفته وتطبيق القاعدة الفقهية التي تطبق على العقارات غير المحفظة وهي أن رسوم الأثرية المجردة لا يثبت بها الملك في مواجهة الغير.
رسالة المحاماة عدد 27