يتداخل هذا المفهوم مصطلحا مع مفاهيم قانونية أخرى ، كالنظم الدولية ، والتنظيم الدولي ، والمنظمة الدولية .
فالنظم الدولية ينصرف في مفهومه الضيق إلى مجموعة من القواعد القانونية المنظمة لموضوع رئيسي معين ، أو المرتبطة بإطار موضوعي محدد مثل نظم الحياد والتمثيل الدبلوماسي والقنصلي ، ويذهب أبعد من ذلك إلى المعاهدات الدولية والمؤتمرات والحروب ، فهذا الكائن الاجتماعي كما يراه (هوريو) دائم الوجود والتطور من خصائصه الذاتية خلق القانون وتطبيقه والتطور به بما يتلاءم وحاجات الجماعة المتغيرة .
أما التنظيم الدولي فيقصد به التركيب المعنوي للجماعة الدولية منظورا إليه من وجهة نظر ديناميكية تشمل احتمالات تطوره إلى ماهو أفضل ،
أما المنظمة الدولية فيعرفها الأستاذ سامي عبد الحميد(1) هي كل هيئة دائمة تتمتع بالإرادة الذاتية وبالشخصية القانونية الدولية حين تتفق مجموعة من الدول على انشائها ، كوسيلة من وسائل التعاون الاختياري ، بينها في مجال أو مجالات معينة يحددها الاتفاق المنشئ للمنظمة .
ويخرج الأستاذ الغنيمي (2) على المألوف ويسميها المنتظمات الدولية فيرى أن المنتظم الدولي هو مؤتمر دولي –الأصل فيه أن يكون على مستوى الحكومات – مزود بأجهزة لها صفة الدوام ومَكـَنَة ُالتعبير عن إرادته الذاتية
ويعرفها الأستاذ أبو هيف (3) تلك المؤسسات المختلفة التي تنشئها مجموعة من الدول على وجه الدوام للاضطلاع بشأن من الشؤون الدولية العامة المشتركة .
ويرى الأستاذ محمد حافظ غانم(4) بأنها هيئات تنشئها مجموعة من الدول للإشراف على شان من شئونها وتمنحها اختصاصا ذاتيا معترفا به تباشره هذه الهيئات في المجتمع الدولي وفي مواجهة الدول الأعضاء نفسها .
وقد تلاقت الاستاذه عائشة راتب (5) مع هذا التعريف ، أما الدكتور عبد العزيز سرحان ،(6) فيرى بأنه وحدة قانونية تنشئها الدول لتحقيق غاية معينة ، وتكون لها إرادة دولية . أما أستاذ مفيد شهاب (7) انه شخص معنوي من أشخاص القانون الدولي العام ينشأ من اتحاد أرادات مجموعة من الدول لرعاية مصالح مشتركة دائمة بينهما ، ويتمتع بإرادة ذاتية في المجتمع الدولي وفي مواجهة الدول الأعضاء ، ويلخص الدكتور العناني /8/ الوضع ليقرر أن التعريفات العديدة التي يضعها الفقهاء للمنظمة الدولية تتشابه جميعا من حيث المضمون وتتجه إلى المنظمة الدولية في معناها الدقيق ، فهي الهيئة التي تضم مجموعة من الدول على نحو دائم سعيا وراء تحقيق أغراض ومصالح مشتركة بينها ، وتتمتع هذه الهيئة باستقلال وأهلية للتعبير عن إرادة ذاتية في المجال الدولي
ويعرفها الدكتور سعيد الدقاق ، (9) ذلك الكيان الدائم ، الذي تقوم الدول بانشائه ، من اجل تحقيق أهداف مشتركة ، يلزم لبلوغها منح هذا الكيان ارادة ذاتية . وبناء عليه فلكل منظمة عناصر أساسية وهي الكيان الدائم ، والصفة الدولية ، والهداف المشتركة ، والارادة الذاتية أي الشخصية القانونية الدولية
ويشترط بول رويتير(10) أن التعبير يستدعي تجمع عنصرين ، فمن حيث هو منتظم لابد أن تكون له إرادة قانونية متميزة عن إرادة أعضائه ، ومن حيث هو دولي يتكون عادة وليس على سبيل الحصر من الدول .
ويقول ايكهيرس في معرض تحليل المصطلح ، انه يصف عادة منظمة دولية تقام عن طريق الاتفاق بين دولتين أو أكثر ، إن المصطلح بمعنى المنظمات الحكومية قد وجد منذ 1815 ألم يكن أبكر من ذلك ، ولكنه لم يكتسب أهميته السياسية إلا بعد الحرب العالمية الأولى ، بل إن إسباغ الشخصية القانونية على المنظمة جاء في مرحلة أحدث ، وتقيم الدول المنظمات الدولية لتحقيق أهداف بعينها ، فهي بهذا أكثر ما تكون شبها بالشركات في القانون الخاص لأن الشركات تسعى هي الأخرى لتحقيق أغراض محددة ، وتختلف السلطات من منظمة إلى أخرى .
إن نقطة الانطلاق في تعريف المنظمة الدولية هي النظر إليه من حيث هو تطبيق للظاهرة الاتحادية أي انه يحقق المساهمة والذاتية ، ولذا فان المركز الأساسي الذي يقوم عليه مدرك المنظمة الدولية هو مايزود به من أجهزة دائمة قادرة على أن تعبر عن إرادته ، تلك الأجهزة هي التي تمايز بين المنظمة الدولية والمؤتمر الدولي . إن المنظمة الدولية هي التي تملك قدرا من الذاتية يفصله عن مؤسسيه والدول الأعضاء فيه يتمتع بأهلية تجانس لوحدة وقدرتها على أن تعمل باسمها الخاص في نطاق القانون الدولي
ويورد العناصر الأساسية للمنظمة الدولية ،حيث تباينت الآراء حولها :
1- الاستناد إلى اتفاقية دولية ذات طابع دستوري .
2- عنصر الدوام
3- وجود أمانة عامة دائمة
4- الشخصية القانونية
5- التمتع بقدر معين من الحصانات والامتيازات
6- الاعتراف بالمنظمة كشخص من أشخاص القانون الدولي الأخرى
7- الاستعانة ضرورة بعدد من العاملين الدوليين ، وبممثلي الدول الأعضاء
8- الاعتراف للمنظمة بسلطة إصدار القرارات
9- التزام الدول أعضاء المنظمة بالعمل على تنفيذ ماقد تصدره من قرارات
10- التزام الدول أعضاء المنظمة بالاشتراك في تمويل نفقاتها .ومع تعدد هذه العناصر ، يحصر الأستاذ سامي عبد الحميد العناصر الأربعة التالية :
أ – عنصر الارادة الذاتية
ب- عنصر الكيان المتميز
ج – الاستناد الى اتفاقية دولية
د- عدم انتقاص المنظمة من سيادة الدول المشتركة في عضويتها باعتبارها في الواقع مجرد وسيلة للتعاون الاختياري بين مجموعة معينة في مجال أو مجالات محددة يتفق عليها سلفا
مصادر الشرعية الدولية :
تنشأ المنظمة الدولية بموجب اتفاقية دولية متعددة الأطراف تدخل حيز التنفيذ عندما تنظم اليها أو تصادق عليها مجموعة من الدول يحددها ميثاق المنظمة الدولية
وقد يأخذ الاتفاق صورة عالمية بأن يفسح المجال لكل دولة مستقلة ذات سيادة أن تنظم اليه بغض النظر عن كونها تقع في أي بقعة جغرافية
أو يكتسى طابعا اقليميا محددا ، فيسمح لعدد من الدول ذات روابط جغرافية أو حضارية أو اقتصادية أو سياسية بالانضمام اليه .
ويتم عادة اعداد الميثاق في مؤتمر دولي ، تدعى اليه اما الدول المنتصرة في الحرب ، أو الدول الاقليمية كما حصل بالنسبة لجامعة الدول العربية .
ويحتاج هذا الميثاق الى تصديق الدول الأعضاء عليه خاصة من يتضمن سلطات تمس سيادة الدول ، والتصديق لم يعد حقا خالصا لرئيس الدولة بل يشاركه فيه مؤسسات قانونية أو استفتاء شعبي ، لكي تعبر بأمانة عن ارادة الدولة .
ويمتاز الميثاق بصفة عامة على أنه مفتوح لكافة الدول للانضمام اليه كقاعدة عامة ، غير أنه يفرض عليها سلوكا محددا ، اذ يشترط عدم جواز التحفظ علي أحكام الميثاق
أما قيمته القانونية فيعد القانون الأسمى للدول الأعضاء في المنظمة الدولية وهو مأأكدته المادة 103 من الميثاق بصفته القانون الأساسي للتنظيم الدولي .
غير أن هذا الميثاق ليس كتابا مقدسا ، اذ يمكن تعديله بموافقة الدول الأعضاء فيه بالأغلبية استنادا الى نص المادة 108 من ميثاق الأمم المتحدة .
أعطى الميثاق الحق للدولة التي لاتوافق على التعديل حق الانسحاب منه شريطة أن توفي بالتزاماتها المالية .
وتنظم الحياة الداخلية للمنظمة من خلال المؤتمرات والاجتماعات الدورية التي تعقد عادة في مقر المنظمة ، أو في أي مكان يتفق عليه
ولكل منظمة لائحة داخلية تنظم الحياة الداخلية فيها ، وينفذه عدد من الموظفين الدوليين الذين لايمثلون دولهم في المنظمة الدولية ويتمتعون بالحصانات الدبلوماسية .
غير أن الدول تمثل لدى المنظمة الدولية بوفد رسمي يتألف عادة من عدد محدد ، يتم التحقق من أوراق تفويضهم سنويا ، ولمدة محددة لاتتجاوز السنة الواحدة ، وقد تكون ثابتة بالنسبة لبعض المنظمات الاقليمية .
ويتم التصويت في المنظمات الدولية اما على أساس الاجماع ، أو على أساس الأغلبية ، وقد يأخذ شكل الأسهم كما هوالحال في المنظمات الدولية .
غير أن بعض الهيئات تمنح لبعض أعضائها استثناء صوتا مميزا يسمى حق التحفظ او الفيتو في مجلس الأمن الدولي ، وهو منظم ويمنح الدول امتيازات عن الدول الآخرى ، وتستطيع من خلاله اسقاط أي قرار دولي لاتوافق عليه
انواع أو أقسام المنظمات الدولية :
يمكن تقسيم المنظمات الدولية الى :
أ- المنظمات الدولية العالمية والمنظمات الدولية الاقليمية
ب- المنظمات الدولية الشاملة العامة والمنظمات الدولية المتخصصة
ت- المنظمات الدولية الحكومية والمنظمات الدولية غير الحكومية
ث- منظمات دولية قضائية ومنظمات دولية ادارية او تشريعية
ج- منظمات دولية مفتوحة ومنظمات دولية مغلقة .
الشخصية القانونية للمنظمة الدولية
أي الأهلية لاكتساب الحقوق ، وتحمل الواجبات والالتزامات ، والقيام بالتصرفات القانونية ، ورفع الدعاوى امام القضاء .
وكانت الشخصية القانونية لاتمنح الا للدول وتمتعت الاتحادات الادارية بوصف الشخص القانوني الدولي عام 1897 ، وتمتع معهد الزراعة الدولي عام 1914 بوصفه الشخص القانوني الدولي ، وتمتع اتحاد الدانوب ولجنة التعويضات بعد الحرب العالمية الاولى بنفس الصفة وقد اعترفت محكمة العدل الدولية عام 1949 بالشخصية القانونية ، فقالت
إن المنظمة طبيعة خاصة متميزة عن الدول ، تتمتع باهلية تتناسب في ااتساع مجالها او ضيقه مع الأهداف التي أنشئت المنظمة من أجل تحقيقها ، وترجع المسألة الى قضية الكونت برنادوت ، حيث ثار البحث ، هل يحق للمنظمة رفع دعوى قانونية ، أي دعوى المسئولية الدولية عن الأضرار التي لحقت بموظفيها ابان قيامه بمهمته .
قررت المحكمة ، أن الأشخاص في نظام قانوني معين ليسوا بالضرورة متماثلين في طبيعتهم ، وفي نطاق حقوقهم ، بل تتوقف على طبيعة ظروف المجتمع الذي ينشأ فيه على متطلباته ، كما انتهت الى أن الدول ليست وحدها أشخاص القانون الدولي العام ، اذ قد يتمتع بالشخصية القانونية الدولية كائنات أخرى غير الدول ، إذا ما اقتضت ظروف نشأتها وطبيعة الأهداف المنوطة بها تحقيقها الاعتراف لها بهذه الشخصية . وقد لاحظت المحكمة وبحق أنه بينما تتمتع الدول كأصل عام بكافة الحقوق والالتزامات الدولية التي يعرفها القانون الدولي ، لا تتمتع المنظمات الدولية ضرورة بكل هذه الحقوق والالتزامات ، بل يتوقف مقدار ما تتمتع به من حقوق والتزامات على أهدافها ووظائفها الخاصة صراحة أو ضمنا من الوثيقة التأسيسية المنشئة ، وما جرت عليه المنظمة نفسها في حياتها الواقعية .(11)
ان الوحدة التي تتمتع بحصانات وامتيازات معينة ولها حق الدخول على قدم المساواة في معاهدات مع الدول الأعضاء هي وحدة يجب الاعتراف لها بالشخصية القانونية
اذا وعلى ضوء هذا التحليل ان المنظمة شخص من أشخاص القانون الدولي العام ، وبأن طبيعة اهدافها ووظائفها تقتضي ضرورة الاعتراف لها بالحق في تحريك دعوى المسؤولية الدولية في حالة اصابة احد العاملين فيها بالضرر بسبب قيامه بخدمتها .غير أن للأستاذ صادق أبو هيف رأي آخر ، فيرى آ ن الشائع في االفقه الدولي اعتبار الهيئات الدولية التي لها كيان مستقل من أشخاص القانون الدولي العام كما هو شان الدول ، والبابا ، غير أن في هذا الشائع انحراف تلك الهيئات عن وضعها الحقيقي خلط بين الشخصية الدولية والأهلية القانونية ، فهذه الهيئات وبلا نزاع يمكن أن تتمتع بالأهلية القانونية لقيامها بمهامها ، وهي اهلية خاصة ذات طابع دولي بما أنها تعمل في المحيط الدولي ، انما هذا لا يستتبع حتما اعتبارها من أشخاص القانون الدولي العام ، لأنه لاتلازم حتمي بين هذه الأهلية وبين الشخصية الدولية بمفهومها الدقيق ، فالدول ناقصة السيادة لاتتمتع في المحيط الدولي بأهلية كاملة ، ولا يحول هذا مع ذلك اعتبارها من أشخاص القانون الدولي العام ، لأن هذا القانون يعني بها مباشرة عنايته بالدول الأخرى كاملة الأهلية ، وليس هذا مركز الهيئات الدولية ، فهذه الهيئات ليس محل عناية هذا القانون لذاتها ، وكل ما هنالك أنه يخلقها وينظمها لمجرد الاستعانة بها على تنفيذ احكامه ، فهي لاتخرج عن كونها أداة يستخدمها في تطبيق قواعده على أشخاصه الحقيقيين . وأشخاص القانون الدولي العام هم الذين من اجلهم وجد هذا القانون ، ووجوده هو نتيجة لوجودهم لاحق له ، والشخصية التي تتمع بها الدولة ليست مستمده من هذا القانون ، وانما هي مستمدة من وجودها ذاته ، ولا يملك القانون الدولي أن يغير في هذه الشخصية اذا ثبت للدولة بوجودها ، ولا يملك أن يمنح الشخصية الدولية لأية هيئة لم تجمع عناصر الدولة ، لأن الدولة كما قلنا تقوم بنفسها على عناصرها الخاصة ولا تنشأ عن طريق نص او اتفاق . اما الهيئات الدولية فتستمد وجودها من نص في القانون تتفق عليه جماعة الدول فحياتها ترتبط بهذا النص وتخضع لارادة هذه الجماعة ، وللدول أن تغير فيها ما شاءت وفقا للأوضاع التي تتفق عليها ، بل ولها أن تقضي على وجودها القانوني بالغاء النص الذي أنشأها ، فهي في يد جماعة الدول كما ذكرنا مجرد اداة يمكن الاستغناء عنها او استبدالها بغيرها اذا رؤي عدم صلاحيتها لتحقيق الغرض من وجودها ، ولا تملك جماعة الدول أن تفعل ذلك بالنسبة لأحد أعضائها ، لأن وجود هؤلاء الأعضاء لايتوقف على ارادتها وانما يخضع لعوامل أخرى لاسيطرة لها عليها ويؤيد وجهة نظر ابو هيف ماورد أخيرا في تعليق الامين العام للأمم المتحدة عام 1956 عن الدور الذي تقوم به الهيئة الدولية العامة ، حيث يقول " واذا ما اخذنا الميثاق ككل لوجدنا أنه لايسبغ على الأمم المتحدة أي صفة من الصفات التي تجعل منها دولة عليا فوق الدول أو هيئة عاملة خارج اطار قرارات حكومات الدول الأعضاء فيها .
ان الأمم المتحدة هي بالأحرى وسيلة للتفاوض بين الحكومات ، ولأجلها الى حد ما ، وهي أيضا وسيلة تضاف الى الوسائل الدبلوماسية التي أقرها الزمن لتوحيد جهود الحكومات في سبيل تأييد اهداف هذا الميثاق ...." الى أن قال" وحري بنا أن ندرك الأمم المتحدة على حقيقتها – فهي اداة للأمم ، معترف بعدم كمالها ، ولكنها ضرورية للعمل على ايجاد تطور سلمي نحو اقامة نظام عالمي أعدل وأوطد . وعلى ذلك يكون وضع الهيئات الدولية التي يكون لها كيان قائم بذاته في عداد أشخاص القانون الدولي العام أمرا لايتفق مع طبيعة هذه الهيئات ، ويكون الصحيح ان هذه الهيئات تشغل مكانها في المحيط الدولي بوصفها مؤسسات ذات أهلية قانونية خاصة لا أكثر ولا أقل .
اما الأستاذ عبد العزيز سرحان فيرى توفر خمسة شروط لابد في نظره من توافرها لاتصاف المنظمة الدولية بالشخصية القانونية الدولية وهي :
أ- توافر غاية معينة للمنظمة – ب- تمتع المنظمة بالارادة الذاتية –ج – تمتع المنظمة بسلطات تباشرها في مواجهة الدول الأعضاء ، وقد تباشرها أيضا في حدود معينة في مواجهة الدول غير الأعضاء
د-التنظيم – أي وجود أجهزة تعبر عن ارادة المنظمة ، وهو الذي يجسد وجود الشخص المعنوي ، وعن طريقه يباشر حقوقه ويدافع عنها
ه- الاشتراك في خلق قواعد القانون الدولي
أما الأستاذ الغنيمي الذي يغرد دائما خارج السرب ، فيرى النظام القانوني وأشخاصه الذين تخاطبهم قواعده بترتيب الحقوق وفرض الحلول، فيرى ان للمنظمات الدولية ذاتية دولية ، وينطلق من النقطة الاولية في دراسة الشخصية القانونية في تعريف المقصود بهذا التعبير ، وهنا نجد ان الفقه ينشطر الى مذهبين ، فهناك من يعرف الشخصية بانها القدرة على كشف الحقوق والالتزام بالواجبات ، الشخصية القانونية تعبير عن العلاقة التي تقوم بين وحدة معينة ونظام قانوني محدد ، وتتمثل هذه العلاقة في اسناد هذا النظام مجموعة من الحقوق والالتزامات لهذه الوحدة ولكل نظام التزامات ، ذلك انه لاتوجد أشخاص قانونية بالطبيعة ، ولاأشخاص قانونية بالنسبة لكل الانظمة ، وتقابل هذا الرأي مدرسة اخرى لاتكتفي بالوصف السابق فحسب بل تضيف اليه وصفا آخر فتشترط الى جانب هذه الهيئة القانونية أن تكون قادرة على انشاء القواعد الدولية بالتراضي مع غيرها من الوحدات المماثلة ، ولما كان جليا ان الجماعة الدولية – على عكس الجماعة الداخلية – لاتعرف خطوات رتيبة مقننة لاضفاء الشخصية المعنوية ، فان النظرية التقليدية في القانون الدولي العام تتمسك – أيا كان التعريف الذي نأخذ به – بان أشخاص هذا القانون هي الدول فحسب ، وعذرها في ذلك انها تعتبر السيادة معيار الشخصية القانونية الدولية ، وركيزة السيادة في نظرها هذة توافر الاقليم والشعب ، وما دام أن المنظمات الدولية لاتتمتع بالسيادة لعدم توافر الشعب على الأقل فهي ليست من أشخاص القانون الدولي ، ولكن هذا الرأي معيب ، اذ أن للمنظمات ولاية كما هو الحال في ولاية الدول تمارس ولاية انفرادية يطلق عليها البعض الولاية العضوية تمنحها سلطات تشريعية وتنفيذية بل وقضائية على أجهزتها الخاصة وموظفيها ، واذن ليس هناك من خلاف جوهري بين الدول والمنظمات الدولية ، صحيح أن السيادة عند الكثيرين هي معيار الشخصية القانونية للدول ، ولكن مناقشة الشخصية القانونية بالنسبة للمنظمات الدولية تحتاج الى نظرة شاملة وأفق أوسع ، غير ان اتجاها يرى أن المنظمات لاتتمتع بالشخصية القانونية الدولية :اذ أن الشخصية القانونية بطبيعنها مركز قانوني يحاج به ا لجميع فمن يكون شخصا من أشخاص نظام قانوني معين يجب أن يقر له بالشخصية من قبل كافة أشخاص هذا النظام ، ان الشخص القانوني ذى الشخصية النسبية والذي يتسم بمعنى محدود ونطاق خاص ولا يقر به بعض أشخاص النظام القانوني ليس الا حيلة . ان الشخصية القانونية في نظام قانون معين لايمكن ان توجد وان تنعدم في الوقت ذاته ، اذ لابد أن نختار بين احد الفرضين . واذا فبناء الشخصية القانونية على ميثاق المنظمة والقول تبعا بان الشخصية القانونية للمنظمة هي شخصية نسبية ، وهو قول ينزع منزعا وضعيا في ايجاد حل للمشكلة ، هو عند المنكرين للشخصية رأي خطل ولا وزن له .
ولنذكر بجانب ما سلف أن عددا كبيرا من الفقهاء يعتبر ان الشخصية القانونية للمنظمات الدولية هي صياغة فنية خالصة لاتتأسس على أية حقيقة سببية . ان هؤلاء الفقهاء ينظرون الى الحقوق والالتزامات المضفاة على المنظمات على انها في الواقع حقوق والتزامات الدول الاعضاء .
الرأي الخاص للأستاذ الغنيمي ، الحق اننا قل أن نجد اليوم فقيها ينكر على المنظمات الدولية الشخصية القانونية انكارا مطلقا لاسيما ، وأن دساتير هذه المنظمات دأبت في تواتر يكاد يكون رتيبا على إضفاء هذه الشخصية على المنظمة المعنية ، ثم ان القضاء الدولي اتخذ لنفسه موقفا واضحا من هذه المشكلة ، ولكننالانستطيع رغم الدفعة الغالبة في الفقه ، والموقف المتحيز للقضاء الدولي ان نقول ببساطة ان مشكلة الشخصية القانونية الدولية قد حلت بالقياس الى المنظمات الدولية ، بل ان المشكلة تظل قائمة مع وجود نص صريح في دستور المنظمة ، وذلك أن قصور ميثاق المنظمة عن إيراد نص في شان الشخصية القانونية لايعني نفي هذه الشخصية عن المنظمة الدولية ، كما ان ايراد نص في هذا الشان لايغير من الحقيقة شيئا ، ان القواعد التي من هذا القبيل لاتخلق حكما ، وانما تفصح عن فكرة يحتاج بيان مداها الى أن تدبر معطيات وضعية ، ان وجود او عدم وجود هذه القواعد ليس بذي بال بالنسبة للفقيه الذي يجب عليه الا يضع في اعتباره بعض الافكار التي هي في حاجة الى لفت النظر .
ان الجدل الذي شغل الفقه حول الشخصية القانونية للمنظمات الدولية هو في نظره جعجعة بلا طحين ، والحديث عن الشخصية القانونية للمنظمة الدولية لاينضبط بمعايير الحديث عن الشخصية القانونية للدولة لأن الذين اعترفوا للمنظمة الدولية بالشخصية القانونية اعترفوا في الوقت ذاته بان هذه الشخصية تكسب المنظمة أهلية محدودة وليست مطلقة كأهلية الدولة . والذين انكروا الشخصية القانونية اعتمدوا في تفنيدهم لحجج المؤيدين على نشاط المنظمة الدولية في مظهريه السلبي والايجابي – انما يقع في حقيقته على الدول الاعضاء وليس على المنظمة الدولية الذي لايعدو ان يكون حيلة قانونية .
ان أنصار الشخصية القانونية الدولية للمنظمة يركزون على ما تعنيه هذه الشخصية من أهلية اذ يعتبرون ان اختصاص المنظمة الدولية بمجموعة معينة من الوظائف يرتب اضفاء الشخصية على المنظمة كما ان كسب المنظمة للشخصية يخوله اتيان تصرفات بذاتها ، والأمر عند الغنيمي ان هذه ليست هي الزاوية الصحيحة التي نعالج بها ومنه مدرك الشخصية القانونية الدولية للمنظمة الدولية ، ذلك لأن الاختصاصات للمنظمة انما تحدد صراحة او ضمنا من دستوره سواء اعترفنا له بالشخصية الدولية ام لم نعترف ، وتبعا فان التذرع بالشخصية القانونية الدولية لن يقدم او يؤخر في شان ما للمنتظم من سلطات وما عليه من التزامات . ان الذي يهم هو توفر الشخصية من حيث هي اما مضمون تلك الشخصية فتفضيل يرجع الى ظروف الشخص القانوني ومركزه الشرعي ، وتلك مسألة ثانوية في بحث الشخصية القانونية من حيث هي أصل ومبدأ .
كذلك لايمكن أن نأخذ رأي المنكرين للشخصية المعنوية كفكرة من حيث هي على علاتها ، ذلك ان وصف الشخصية القانونية للمنظمة الدولية بانها حيلة قانونية انما ينصرف كذلك الى الدولة ن والاقرار بالشخصية القانونية هي ركيزة أساسية في القانون الدولي لنه نظام قام اصلا كي يخاطب الأشخاص المعنويين .
ان الشخص القانوني هو القادر على المساهمة في خلق القواعد القانونية ، أي تتمتع في خلق وتكوين الارادة الدولية الشارعة .
ان التمتع بالذاتية لايكفي لاسباغ الشخصية القانونية على المنظمة الدولية بل لابد ان تصل هذه الذاتية الى حد القدرة على التعبير عن الارادة الدولية الشارعة .
ان الشخصية القانونية تتطلب توافر عنصرين الاول أهلية لاكتساب الحقوق والالتزام بها والثاني ، القدرة على خلق قواعد قانونية ، وهذا لن يتأتى مالم تتميز ارادة المنظمة عن ارادة الدول الاعضاء ، ولهذا يمكن ان تكون الشخصية كاملة او ناقصة فالأولى هي التي لايرتبط نشاطها بارادة الدول الاعضاء فيها ، وهو الامر الذي اتسمت به الامم المتحدة حين اعترفت لها الدول بالشخصية القانونية .
والثاني ، الناقصة وهي التي تتمتع بذاتية متميزة عن الدول الأعضاء تسمح لها القيام بعض التصرفات القانونية .
لذلك ينتهي الأستاذ الغنيمي الى الاقرار بالشخصية القانونية النسبية قاصرة على الدول الأعضاء التي تعترف بهذه الشخصية .
أما الدكتور فايز انجاك أستاذ القانون الدولي المقتدر فيرى أن الشخصية القانونية مسألة تحتاج الى معرفة خصائص المنظمة الدولية وهي كالتالي :
الخاصية الأولى تتألف المنظمة حصرا من مجموعة من الدول ذات السيادة ، وهذه القاعدة الرئيسية لاحداث المنظمات الدولية .
الخاصية الثانية : ان المنظمة تتمتع بصفة الديمومة ، تختلف عن المؤتمرات الدبلوماسية في حين أن المنظمة ليست أزلية ولكنها قابلة للدوام والتطور وقد تحدد الوثيقة التأسيسية عمر المنظمة مثل الحديد والصلب التي قدرت عمرها بخمسين سنة ، ثم تطورت الى السوق الأوربية المشتركة وأخيرا الاتحاد الأوربي
الخاصية الثالثة : أن الأساس القانوني في أغلب الأحيان هو عبارة عن معاهدة دولية
الخاصية الرابعة ، أنها تفترض وجود هدف مشترك تتفق الدول الأعضاء على تحقيقه ، سياسي اقتصادي أمني أو صحي تجاري زراعي ثقافي .
الخاصية الخامسة هي أن كل منظمة دولية تتضمن أجهزة وهيئات مختلفة ومتنوعة ، هذه الهيئات تسمح للمنظمة بأن يكون لها كيان أو شخصية متميزة عن شخصية وكيان كل دولة عضوة في المنظمة .
الخاصية السادسة ، هي أن كل منظمة تملك قسطا من الشخصية القانونية تسمح لها بممارسة عدد من الحقوق والواجبات ، ويفرق عادة التوضيح بين نوعين من الشخصية القانونية للمنظمات الدولية ، الشخصية القانونية الداخلية ، والشخصية القانونية الدولية .
ان الشخصية القانونية الداخلية للمنظمات الدولية تسمح للمنظمة أن تمارس عددا من الحقوق التي تناسب الحقوق الممنوحة للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين ضمن المجال الوطني لدولة ما ، مثل لها المقر تشتريه أو تستأجره ، وابرام العقود والمثول أمام القضاء ، أما الشخصية القانونية على المستوى الدولي ، اذ تتمتع بالامتيازات والحصانات في أراضي الضرورية لبلوغ الأهداف . وينتهي الأستاذ انجاك الى أن القضاء الدولي من خلال الرأي الاستشاري في قضية الكونت برنادوت عام 1949 يرى أن المنظمة مؤهلة لممارسة وظائف والتمتع بحقوق لايمكن أن تبرر الا اذا كانت تملك قسطا كبيرا من الشخصية الدولية ، وأهلية التصرف على المستوى الدولي وبهذا تكون المنظمة الدولي مجموعة من الدول ذات السيادة ، تتمتع بصفة الديمومة ، أساسها القانوني معاهدة ، هدفها مشترك ، ولها اجهزة وهيئات مختلفة ، تتمتع بقسط من الشخصية القانونية.