[...] تصميم التهيئة (أولا)، في حين نجد هذه المساهمة تضيق وتتسع حسب طبيعة وثائق التعمير الأخرى وحجمها (ثانيا)، سواء منها تلك التي حافظ عليها مشروع القانون 04.04 أم تلك التي جاء بها.
أولا: الجماعات المحلية بين الاستشارة في وضع المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية والمساهمة في دراسة تصميم التهيئة
يعتبر المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية وثيقة تعميرية تقديرية توقعية تستشار الجماعة المحلية في وضعه بعدما وجد سنده القانوني (أ) في حين أن تصميم التهيئة هو وثيقة تعميرية تنظيمية تساهم الجماعة المحلية في إعداده بشكل أكثر وضوحا من مساهمتها في إعداد المخطط التوجيهي للتنمية العمرانية (ب).
أ- على مستوى المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية
لم يعرف المخطط التوجيهي سنده القانوني إلا مع القانون رقم 12.90 ([2])، الذي حدد دور الجماعات المحلية على مستوى وضعه (1) وكذا على مستوى دراسته (2).
1- دور الجماعات المحلية في وضع المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية
لقد أظهرت الممارسة أن الجماعات المحلية كانت لا تقوم بأدوار فعالة على مستوى المخططات التوجيهية التي كانت قبل إصدار قانون 12.90 المتعلق بالتعمير؛ إذ انحصر دورها على مجرد الموافقة خلال جلسة واحدة وقد تكون هذه الجلسة على مستوى مجلس المجموعة الحضرية إذا كان التصميم التوجيهي يهم عدة جماعات حضرية كما هو الشأن بالنسبة للدار البيضاء، حيث تبقى إدارة التعمير على المستوى المركزي أو الإقليمي هي الجهة التي يكون دورها، بجانب دور مكاتب الدراسات المكلفة بالإنجاز الفني، حاسما وموقفها فاعلا في توجيه المخطط وتحديد آفاقه ([3]) فما هو جديد قانون 12.90 في الموضوع ؟
في هذا السياق، نصت المادة السادسة على ما يلي: “يتم وضع مشروع مخطط توجيه التهيئة العمرانية بمبادرة من الإدارة وبمساهمة الجماعات المحلية وتتم الموافقة عليه طبق الإجراءات والشروط التي تحدد بمرسوم تنظيمي” ، حيث نص المرسوم التطبيقي في فقرته الأولى من مادته الثالثة على ما يلي: “يتم إعداد مشروع المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية بمسعى من السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير وبمساعدة ([4]) من الجماعات المعنية والمجموعة الحضرية في حالة وجودها”.
فالمرسوم التطبيقي إذن لم يأت بأي جواب في الموضوع ليترك مفهوم “المساهمة” المومإ إليه في المادة السادسة من القانون 12.90 مفهوما غامضا يطرح أكثر من سؤال. فهل المقصود بالمساهمة مشاركتها في اللجنة المركزية واللجنة المحلية المشار إليهما في المرسوم التطبيقي؟ أم المساهمة من خلال إحالة مشروع المخطط التوجيهي عليها لدراسته كما تقضي بذلك المادة السابعة في فقرتها الأولى.
لقد تم الاهتداء في فرنسا إلى حل هذا الإشكال بإحداث لجنة محلية للتهيئة والتعمير تتكون من ممثلي المنتخبين المحليين وممثلين عن إدارة الدولة وممثلي الهيآت الاقتصادية والمهنية المعنية (غرف التجارة والصناعة والفلاحة) ويترأسها عضو من ممثلي المنتخبين ([5]).
ومن النقط التي تحتاج إلى تعليق في هذا الشأن كذلك هي الصيغة التي جاءت بها المادة السادسة والتي تنص على مساهمة “الجماعات المحلية” بما يعنى ذلك من مجالس للجماعات والعمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية، في حين أن النصوص اللاحقة تشير صراحة إلى المجالس الجماعية في إقصاء تام لباقي الجماعات المحلية.
فقد ساد الاعتقاد إبان دراسة مشروع قانون تأهيل العمران – الذي تم إقباره – أن هذا اللبس سيزول، حيث اقترحت المادة التاسعة من المشروع في فقرتها الأولى ما يلي:
“يحال مشروع مخطط توجيه العمران، قبل الموافقة عليه، على مجلس الجهة ومجالس الجماعات المعنية وإن اقتضى الحال على مجالس العمالات والأقاليم لدراسته”. إلا أن مشروع القانون 04.04 الذي تم عرضه على أنظار المجلس الحكومي لم يتطرق لهذا الاقتراح، حيث لم يشمل المخطط التوجيهي بأي تعديل محافظا بذلك على الصياغة المشار إليها في القانون 12-90 السالف الذكر.
فإذا كان حجم مشاركة الجماعات المحلية محل نقاش، فإن إشراك المجالس الجهوية ومجالس العمالات والأقاليم خاصة في وضع المخطط التوجيهي أضحى أمرا ضروريا نظرا لكون المخطط لا يقتصر في حيزه الترابي على بلدية واحدة، بل يشمل عدة بلديات ومراكز محددة بل وكذا بعض أو جميع جماعة قروية أو جماعات قروية مجاورة ([6]).
2- مدى مساهمة الجماعات المحلية في دراسة المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية
تنص المادة السابعة من القانون 90-12 المتعلق بالتعمير في فقرتيها الأولى والثانية على ما يلي:
“يحال مشروع مخطط توجيه التهيئة العمرانية، قبل أن توافق عليه الإدارة، إلى مجالس الجماعات المعنية وإلى مجلس المجموعة الحضرية إن اقتضى الحال، لدراسته وفق أحكام الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 1.76.583 بتاريخ 5 شوال 1396(30 شتنبر 1976) المتعلق بالتنظيم الجماعي ([7]) وللمجالس المشار إليها أعلاه أن تبدي داخل أجل ثلاثة أشهر يبتدئ من تاريخ إحالة المخطط إليها ما تراه في شأنه من اقتراحات تتولى الإدارة دراستها بمشاركة المجالس الجماعية التي يعنيها الأمر…”.
من خلال القراءة الظاهرة للنص تتبين رغبة المشرع في إشراك المجالس الجماعية في دراسة المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية، لكن بتفحص باطنه يطرح سؤال جوهري مفاده ما هو الأثر القانوني لمساهمة المجالس الجماعية في دراسة المخطط ؟
هناك من الباحثين من ذهب أبعد من ذلك ([8]) معتبرا أن مضمون الفصل 30 من الظهير رقم 1.76.583 بتاريخ 30 شتنبر 1976 المتعلق بالتنظيم الجماعي يعطي للجماعات المحلية السند القانوني لدراسة وثائق التعمير بل والمصادقة عليها، إلا أن هذه القراءة الواسعة للنص سيتم تضييقها بمقتضى المادة 38 من القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي الجديد التي حددت على سبيل الحصر الميادين التي تتدخل فيها الجماعة على مستوى التعمير وإعداد التراب، إذ لم تتطرق لمسألة دراسة وثائق التعمير بالمرة مؤكدة فقط على ضرورة سهر المجلس على احترام الاختيارات والضوابط المقررة في مخططات توجيه التهيئة العمرانية وتصاميم التهيئة والتنمية وكل الوثائق الأخرى المتعلقة بإعداد التراب والتعمير. فهل هذا يعني عدم صلاحية المجالس في التدخل إبان دراسة المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية؟
إن الجواب عن السؤال واضح طالما أن قانون 12-90 المتعلق بالتعمير يعتبر النص الخاص الذي يقيد النص العام، الذي هو في هذه الحالة الميثاق الجماعي، ولا يلغيه كما تقضي بذلك المبادئ العامة للقانون، وبالتالي صلاحية تدخل المجالس الجماعية في دراسة وثائق التعمير. إلا أن هذا لا ينفي وجود تناقض بين النصوص، حيث وجب على المشرع توضيح المادة 38 من القانون 78.00 لتشمل أحقية المجالس في دراسة وثائق التعمير عموما وذلك رفعا لكل لبس وتفاديا لأي تأويل. لكن يظل سؤال الأثر القانوني لمساهمة المجالس الجماعية في دراسة المخطط مطروحا.
لقد ذهب بعض الباحثين ([9]) إلى أن صيغة المادة السابعة تفيد بأن الإدارة عليها أن تتقيد باقتراحات وآراء المجالس الجماعية. إلا أن النص –في اعتقادي- لازال يحتاج إلى المزيد من الوضوح طالما أن الممارسة أظهرت أن ملتمسات المجلس الجماعي وملاحظات العموم قد يؤخذ بها وقد لا يؤخذ، حيث يكتفى بجمع المعلومات مادام أن السلطة المكلفة بالتعمير لا تعبر عن أي موقف ولا تعطي أية معلومة أو جواب بطريقة علنية حول الملاحظات والشكايات المسجلة، الأمر الذي قد يجعل من المشاركة عملية دعائية هدفها البحث عن الموافقة الآلية ([10]).
إذا كان الأمر كذلك بالنسبة للمخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية، فإلى أي حد تظل المشاركة على مستوى إعداد ودراسة تصميم التهيئة واضحة؟
_________________________________________
[1] لقد أضحى بإمكان الجماعات بفرنسا إعداد المخططات التوجيهية وتصاميم استعمال الأراضي منذ صدور قانون 07 يناير 1983. راجع بهذا الخصوص:
Lebrton (jean pierre) : droit de l’urbanisme. collection droit fondamentale, n° édition, PUF, Paris,1993 P : 66
[2] إذا استثنينا التصميم التوجيهي لمدينة الدار البيضاء الكبرى الذي يتوفر على صيغة تشريع بمقتضى الظهير رقم 1.84.17 الصادر في 25 يناير 1984 ومرسوم الموافقة عدد 2.85.431 الصادر في 28 مايو 1985، فإن كافة التصاميم التوجيهية التي كانت قبل إصدار قانون 12.90 المتعلق بالتعمير لم يكن لها سند قانوني.
[3] محمد معني السنوسي: أضواء على قضايا التعمير والسكنى بالمغرب، دار النشر المغربية، البيضاء، 1988، ص: 31.
[4] لقد استعمل المشرع مصطلح “مساعدة” عوض مساهمة هو كما هو مبين في الفصل السادس من القانون 12.90، الأمر الذي يستنتج من خلاله رغبة المشرع في إضعاف تدخل الجماعات في ميدان التخطيط طالما أن مصطلح “مساعدة” من الناحية اللغوية أقل وزنا من مصطلح “مساهمة” ولعل ما يبرر هذا الطرح هو الصيغة التي اقترحتها الحكومة في شأن القانون 12.90 والتي كانت تتضمن ما يلي:
“يوضع مخطط توجيه التهيئة العمرانية وتتم الموافقة عليه طبق الإجراءات والشروط التي تحددها السلطة التنظيمية: حيث تخوف أعضاء لجنة إعداد التراب الوطني والسكنى والمحافظة على البيئة من سحب البساط من تحت أقدام المجالس الجماعية مما أدى إلى تقديم جملة من التغييرات للمحافظة على دور المجالس الجماعية، فصارت صياغة المادة كما هي واردة في القانون 12.90 الساري المفعول. للتفصيل أكثر في هذه النقطة أنظر : عبد الرحمن البكريوي: التعمير بين المركزية واللامركزية، مرجع سابق، ص: 9.
[5] عبد الرحمن البكريوي: التعمير بين المركزية واللامركزية. مرجع سابق، ص: 39.
[6] المادة 2 من القانون 12.90 المتعلق بالتعمير.
[7] يتعلق الأمر حاليا بالميثاق الجماعي الجديد 00-78.
[8] محمد معنى السنوسي: دور الجماعات المحلية في قطاع التعمير والسكنى.مرجع سابق، ص: 52.
[9] عبد الرحمان اليكريوي : التعمير بين المركزية و اللامركزية. مرجع سابق، ص: 41.
[10] – محمد اليعقوبي : مشاركة المواطنين في التهيئة العمرانية بالمغرب .محاضرة ألقيت على طلبة السنة الثانية من دبلوم الدراسات العليا المعمقة بوحدة التكوين والبحث “الإدارة العامة” الموسم الجامعي 1999-2000 كلية الحقوق، وجدة.