تعد إدارة الأفراد gestion du personnel بوصفها أحد ميادين إدارة الأعمال [ر] الرئيسة، علماً حديث العهد نسبياً. ويكاد نشوء هذا العلم يقترن بنشوء حركة الإدارة العلمية التي تزعمها فريدريك تايلور في مطلع القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية. وكان للنتائج التي توصل إليها تايلور حول استخدام مقاييس الحركة والزمن أداة رئيسة في زيادة الإنتاج وأسلوباً يحقق العدالة في احتساب أجور العاملين، أهمية كبرى في اعتمادها من رجال الأعمال عامة، والإدارة الصناعية بوجه خاص، لتحسين مستوى الأداء وتخفيض تكاليف الإنتاج وزيادة ريعية المشروعات. إلا أن حركة الإدارة العلمية لم تستطع أن تقرن نتائج دراساتها بالاهتمام اللازم بالجانب الإنساني بوصفه أحد العوامل الأساسية لزيادة مستوى الإنتاج وتحسين نوعيته لأنها ارتكزت على ركائز مادية بحتة.
ومع ذلك، فقد كان للإدارة العلمية فضل كبير في إيقاظ دوافع الشعور بأهمية الإنسان، ودراسة أحاسيسه، وتعرف محددات سلوكه في الأداء، والعناية به بوصفه أساس أي نهوض أو تقدم. وفي الوقت نفسه، بدأ الاهتمام بالبحوث العلمية المتعلقة بالنشاط الإنساني يتزايد ولا سيما في مجال علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي والعلاقات الإنسانية وقواعد السلوك البشري، في الوقت الذي اشتد فيه ساعد النقابات العمالية في أمريكة وأوربة مطالبة بتحديد علاقات العمل وتحسين ظروف أدائه، مما أدى إلى تطور مفهوم إدارة الأعمال بصفة عامة، وتطور الجانب الذي يعنى بشؤون الأفراد العاملين منها بصفة خاصة، وكذلك زيادة المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتق إدارة الأفراد كي تتمكن من تكوين قوة عمل قادرة على الأداء بفاعلية أكبر وراغبة في هذا الأداء. ولقد عد ذلك إطاراً عاماً وشاملاً للأهداف المتوخاة من إدارة الأفراد بقصد تحسين الإنتاجية بمؤشراتها الكمية والنوعية معاً.
ومن جهة أخرى، تعزز دور إدارة الأفراد وأهميتها بعد صدور التشريعات الحكومية الناظمة لعلاقات العمل والعاملين، وفرض استخدام بعض من مهماتها على مشروعات الأعمال، كتحديد نظم دفع الأجور وأساليبها، وأسس إجراءات التعيين والترفيع والتوصيف والتدريب، التي تعد بحق من أهم مسؤوليات إدارة الأفراد ومهامها.
وعلى هذا الأساس، فإن نشاط إدارة الأفراد يتجه نحو تحقيق الاستخدام الأمثل للقوى البشرية العاملة في المؤسسة وتنمية قدراتها ومهاراتها وحفزها في أداء أعمالها طواعية، كي يتسنى للطاقات الكامنة فيها الانطلاق من عقالها وتفجير مواهبها. وإذا كان بعضهم يحاول أن يعبر عن إدارة الأفراد بعبارات أخرى كإدارة القوى العاملة أو إدارة العلاقات الإنسانية أو الهندسة البشرية تمييزاً لها من أي نشاط إداري آخر يعنى بالشؤون المادية في المؤسسة، فيمكن تعريف إدارة الأفراد بأنها الجهاز التنظيمي الذي يمارس نشاطاً منظماً وهادفاً فيما يختص بشؤون الأفراد العاملين في المؤسسات سواء أكانت اقتصادية أم غير اقتصادية، ويتجلى هذا النشاط المنظم في وضع البرامج السياسية التي تحكم علاقات الأفراد فيما بينهم من ناحية أولى، وبينهم وبين الإدارة من ناحية ثانية، وفي تنفيذ هذه البرامج والخطط التي تهدف إلى استخدام الأفراد الاستخدام الأمثل والمحافظة عليهم قوة عمل قادرة على الأداء الجيد وراغبة في الاستمرار فيه.
وعلى أساس ذلك الهدف المتوخى من إدارة الأفراد والوسائل اللازمة لتحقيقه، يمكن القول إن مسؤوليات إدارة الأفراد لا تنحصر في جهاز تنظيمي معين، وإنما تتعداه لتصبح من مهام كل من تناط به المسؤولية عن عمل الآخرين سواء أكان مشرفاً على فئة صغيرة من العاملين أم رئيساً لقسم أم مديراً. وبهذا المعنى فإن نطاق إدارة الأفراد يتسع ليشمل وظيفة كل شخص - مهما كانت مرتبته - يشرف على عمل أفراد آخرين في المؤسسة بما يضمن توجيه أدائهم نحو زيادة الإنتاجية والوصول إلى علاقات عمل يغلب عليها الانسجام والتعاون بين قطبي المؤسسة: الإدارة والعاملين من دون أي تنافر أو تنازع. وفي ضوء هذا التصور ليس هناك حدود أو نطاق محدد يمكن للمرء أن يفصل فيه مهام إدارة الأفراد ومسؤولية كل من يقوم بالإشراف على عمل آخرين جزءاً من عملية إدارة الأفراد.
وإذا كان تحقيق الأهداف يتطلب وجود خطط وبرامج وسياسات محددة، فليس من الضروري أن يضمن وجود مثل هذه الخطط والبرامج الوصول إلى أهداف المؤسسة على النحو المرغوب فيه، بل لا بد من اتخاذ الإجراءات المناسبة لتنظيم عملية تنفيذ تلك الخطط والبرامج. وتتوقف عملية التنفيذ هذه على حصر أنواع الأعمال والوظائف المطلوب أداؤها وتحديدها وتصنيفها في مجموعات أو فئات متجانسة، ومن ثم توزيع الأفراد العاملين في المؤسسة عليها. أو بعبارة أخرى، يتوقف تحقيق أهداف المؤسسة على مدى وجود تنظيم جيد يحدد موقع كل فئة أو مكانتها في أعمال المؤسسة (إدارة، قسم، شعبة وما شابه ذلك).
ومن بين هذه الأعمال الوظائف الخاصة بشؤون الأفراد أو ما يسمى «إدارة الأفراد».
ولتحديد مكانة إدارة الأفراد أو موقعها في تنظيم المؤسسة لا بد من تحديد أشكال البنية التنظيمية للمؤسسة - مهما كان حجم هذه المؤسسة - أي ما يسمى بهيكلها التنظيمي. فمن المعروف، أن هناك مجموعة من المرتكزات يبنى على أساسها الهيكل التنظيمي للمؤسسة وتعد في الوقت نفسه محددات لخصائص ذلك الهيكل وسماته وهناك خمسة أشكال رئيسة للهيكل التنظيمي، هي:
ـ الهيكل التنظيمي المبني على أساس الأنشطة الرئيسة والثانوية والفرعية في المؤسسة.
ـ الهيكل التنظيمي المبني على أساس أنواع منتجات المؤسسة من السلع والخدمات المنتجة وأصنافها.
ـ الهيكل التنظيمي المبني على أساس مراحل العمل والإنتاج.
ـ الهيكل التنظيمي المبني على أساس الأقاليم الجغرافية (المركز والفروع).
ـ الهيكل التنظيمي المبني على أساس الفئات التي تتعامل معها المؤسسة أو المشروع.
وفي جميع الأحوال، تتوقف مكانة إدارة الأفراد وموقعها في البنية التنظيمية، على حجم المؤسسة وطبيعة أنشطتها ومدى تجهيزها الفني ومستوى التقانة المستخدمة فيها. فإذا كان شكل التنظيم مبنياً على أساس الأنشطة، فإن إدارة الأفراد تعد نشاطاً رئيسياً، ويكون لها كيان مستقل، شأنها في ذلك شأن الإدارات الرئيسة الأخرى كإدارة الإنتاج وإدارة التسويق والمبيعات والإدارة المالية وغيرها. وإذا كانت المؤسسة موضوع البحث تملك فروعاً في مناطق وأقاليم جغرافية متعددة، فإن «إدارة الأفراد» التي توجد في المركز تكون هي المسؤولة عن وضع البرامج ورسم السياسات الخاصة بشؤون العاملين في المركز وفي الفروع على حد سواء.
وفي حال بناء التنظيم العام للمؤسسة على أساس أنواع المنتجات وأصنافها يكون لإدارة الأفراد مكانة رئيسة وتتبع لها وحدات فرعية تختص كل واحدة منها بتنفيذ سياسات إدارة الأفراد الرئيسة وبرامجها فيما يتصل بنوع المنتج أو صنفه. ويحكم بين هذه الوحدات أو بينها وبين الإدارة الرئيسية نظام من علاقات التعاون وقواعد التنسيق. كذلك يطبق هذا النوع من التنظيم في حال كون الهيكل التنظيمي للمؤسسة مبنياً على أساس مراحل الإنتاج، أو على أساس فئات المتعاملين مع المؤسسة، إذ يكون لكل فئة من هؤلاء المتعاملين (أو مجموعة فئات متماثلة) وحدة إدارية (قسم أو شعبة...) تتبع الإدارة المركزية التي تعنى بشؤون الأفراد عامة. كما هو الحال - على سبيل المثال - في شركات التأمين الكبيرة، حيث توجد وحدة إدارية لشؤون العاملين في كل إدارة متخصصة بفئة من المتعاملين معها كإدارة التأمين على الحياة أو على النقل والتأمين من الأخطار أو الحريق أو إعادة التأمين وسواها.
وبذلك فإن مكانة إدارة الأفراد تظهر مع ظهور البنية التنظيمية للمؤسسة، وتتطور وتتسع في أداء مهامها ووظائفها تبعاً لتطور النشاط فيها، ولكن مما يميز إدارة الأفراد من غيرها من الإدارات الأخرى انتشار مهامها ومسؤولياتها لتشمل الإدارات الأخرى في المؤسسة ما دامت تختص في تعاملها مع الإنسان. فإذا كانت مهام إدارة التسويق مثلاً تقتصر على دراسة الأسواق وحجم الطلب المستقبلي وسبر حاجات المستهلكين وأذواقهم، أو إذا كانت إدارة الإنتاج مسؤولة عن هندسة المنتجات وإنتاج الكميات اللازمة بالمواصفات المحددة وفقاً لحاجات المستهلكين وأذواقهم، فإن مهام إدارة الأفراد واختصاصاتها تتسع لتشمل كل الإدارات الأخرى وليس الإدارتين المذكورين في المثال فحسب.
وبغض النظر عن فلسفة الإدارة في اختيارها النموذج التنظيمي الذي تراه أكثر ملاءمة لأداء فعالياتها، فإن الشيء الذي يجب أن يؤخذ في الحسبان هو بناء تنظيم يحقق لها الوصول إلى أهدافها على أفضل وجه ممكن، أي الوصول إلى أفضل النتائج بأقل ما يمكن من الجهد والتكلفة، إن الوصول إلى مثل هذا المستوى من التنظيم يتطلب توافر شروط أربعة هي:
ـ ضمان وجود نوع من التنسيق في اتخاذ القرارات بين إدارة الأفراد من جهة وإدارات المؤسسة الأخرى من جهة ثانية، على نحو يحقق مبدأ المواءمة والانسجام والكفاية في أداء الأعمال من دون أية حساسية أو ازدواجية في الأداء.
فالتنظيم الجيد هو ذلك الذي يؤدي إلى إقامة صلات تعاون بين جميع وحدات الهيكل التنظيمي في المؤسسة على نحو يقضي على جميع أسباب التنازع في أداء الاختصاصات ويبين بوضوح حدود المسؤوليات بين جميع المشرفين والرؤساء في الإدارات المختلفة وبين العاملين في إدارة الأفراد.
ـ التوافق بين المبادئ التنظيمية المعتمدة في المؤسسة وقدرات العاملين في إدارة الأفراد ذاتها وخبراتهم.
ـ التوافق بين النفقات المترتبة على أداء أية وظيفة في إدارة الأفراد ومقدار المنفعة التي تعطيها تلك الوظيفة أو المتوقع الحصول عليها مستقبلاً.
ـ القدرة على التكيف والمرونة في بنية إدارة الأفراد في التعامل مع المتغيرات الفنية والاقتصادية والاجتماعية في المؤسسة نفسها وفي البيئة التي تعمل في نطاقها.
وبصفة عامة إما أن يأخذ شكل التنظيم في إدارة الأفراد طابع المركزية أو اللامركزية.
ويقصد بمركزية التنظيم في هذا المجال ممارسة إدارة الأفراد لوظائف الإدارة التقليدية من تخطيط وتنظيم ورقابة وذلك في المجالات المتعلقة بشؤون الأفراد سواء في المركز أم في الفروع لتنفيذ البرامج والسياسات المعتمدة من قبلها ولا سيما بالاختيار والتعيين والتدريب والأجور والتوصيف وتقويم الأداء، والتحقق من تنفيذ تلك السياسات والبرامج من قبل الوحدات الأخرى.
أما اللامركزية في التنظيم فتعني إعطاء وحدات (أو فروع) إدارة الأفراد الصلاحيات اللازمة في وضع البرامج والسياسات بما يتفق مع ما تراه مناسباً في نطاق عملها، شرط أن يخدم ذلك الهدف العام لإدارة الأفراد وهو إيجاد قوة عمل قادرة على أداء عملها. كما تكون تلك الوحدات مسؤولة عن نتائج تنفيذ سياساتها.
والتنظيم الأكثر فاعلية هو ذلك الذي يجمع بين مزايا المركزية واللامركزية في أداء مهام إدارة الأفراد على أفضل نحو ممكن.
مهام إدارة الأفراد
تسهم إدارة الأفراد بدور أساسي في تحقيق أهداف المؤسسة عن طريق توفير احتياجاتها من القوى العاملة وضمان استخدام هذه القوى الاستخدام الأمثل، والمحافظة على استمرارها في العمل مدفوعة برغبة ذاتية. وعلى هذا الأساس تبذل إدارة الأفراد جهداً منظماً وواعياً وموجهاً نحو تحقيق الأهداف العامة للمؤسسة وأهدافها الخاصة بها باستخدام مواردها البشرية المتاحة. وبعبارة أخرى، يتجه نشاط إدارة الأفراد نحو تكوين قوة عمل قادرة على الأداء وراغبة فيه، وغايتها رفع مستوى الكفاية الإنتاجية للمؤسسة بحسن استخدامها للعنصر البشري فيها.
تعنى إدارة الأفراد، قبل كل شيء بالإنسان بوصفه الوسيلة والغاية معاً, فهو وسيلة لأنه يمتلك طاقات وقدرات عضلية وعقلية عظيمة الفائدة إذا أمكن ضبطها وتوجيه استخدامها نحو الاتجاه المطلوب طواعية واختياراً، وهو غاية لأنه لا يمكن أن يعد مصدر قوة عمل مجردة، وإنما ينظر إليه على أنه مخلوق بشري له مشاعره وأحاسيسه وآماله ويبذل جهداً مبدعاً من أجل طموحاته وإشباع حاجاته الآنية والمستقبلية الظاهرة منها والمستترة.
وبذلك يمكن القول إن مهام إدارة الأفراد كلها تنضوي في مجموعتين أساسيتين من الوظائف. تتعلق المجموعة الأولى بتكوين قوة عمل قادرة على الأداء بأعلى فاعلية، وتسمى هذه المجموعة من الوظائف بوظائف زيادة المقدرة على العمل.
أما المجموعة الثانية من الوظائف فتتجه بنشاطها نحو تحقيق عنصر الرضا والرغبة في الأداء أو ما يسمى بوظائف الرغبة في العمل.
ومن المعروف أن زيادة المقدرة على العمل لأي إنسان تتوقف على عدة عوامل منها ما هو وراثي كالقدرات الطبيعية، ومنها ما يكتسب اكتساباً عن طريق التعلم والتدريب والمران. وبصفة عامة يمكن القول إن مهام اختيار العاملين وتعيينهم وتدريبهم وتوصيف الوظائف وتقويمها وتهيئة ظروف العمل المناسبة هي من عداد وظائف زيادة المقدرة على العمل.
أما وظائف الرغبة في العمل فهي تلك الوظائف التي تكون مبنية على أساس دوافع الفرد والعوامل المؤثرة في هذه الدوافع والتي منها على سبيل المثال الوسائل الخاصة بإشباع الحاجات المادية والمعنوية. ومن هذه الوظائف سياسات الأجور والحوافز والأنماط المتبعة في القيادة والإشراف والاتصالات.
وفي الحقيقة من الصعب الفصل بين وظائف المجموعتين المذكورتين، ذلك لأن المجموعتين متداخلتان تؤثر كل منهما في الأخرى، فسياسات الأجور والحوافز وتهيئة ظروف العمل مثلاً عناصر أساسية في تحقيق درجة عالية من الرغبة والرضا، كما أنها في الوقت نفسه عوامل مساعدة في زيادة مقدرة الأفراد على العمل.
أما أهم المهام الملقاة على عاتق إدارة الأفراد فهي:
التخطيط للاحتياجات: وهو يشتمل على ثلاثة مهمات رئيسية. ترتكز المهمة الأولى على جميع المعلومات والبيانات عن الوظائف والأعمال الحالية في المؤسسة وقوة العمل المتاحة فيها وتجهيزها لحصر الوظائف وتحديد اختصاصاتها وطبيعة مسؤولياتها والعلاقات القائمة فيما بينها وعدد شاغليها وصفاتهم من حيث قدراتهم ومؤهلاتهم ومستوى خبراتهم ومهاراتهم. ومدى توافق تلك الصفات مع متطلبات الوظائف والأعمال التي يؤدونها وشروطها، كما تهدف هذه العملية إلى تحديد اتجاهات حركة العاملين في السنوات الماضية ورصد حالات الفائض والعجز في العمالة وتتبعها واحتساب نسبة دوران العمل على أساسها.
وأما المهمة الثانية فهي توصيف الأعمال والوظائف في المؤسسة، ويعد هذا التوصيف من أهم مسؤوليات إدارة الأفراد. ويتلخص في جمع الحقائق والمعلومات اللازمة عن المهام والواجبات التي يجب أن تؤديها كل وظيفة (عمل)، وتحديد سلطتها ومسؤوليتها، والطريقة التي يجب أن تؤدى بها، وموقفها في الهيكل التنظيمي، وعلاقتها بالوظائف الأخرى، والظروف التي تؤدى فيها، ووسائل الأداء المستخدمة، والمواصفات والخصائص التي يجب أن تتوافر في شاغلها أو شاغليها إذا كان أداؤها يتطلب استخدام أكثر من شخص واحد، ثم صوغ هذه الحقائق في نموذج معين يمكن منه تحديد معالم الوظيفة على النحو الذي يمكن إدارة الأفراد من الاستفادة منه في جميع المجالات المتعلقة بشؤون الأفراد.
وأما المهمة الثالثة فهي تحديد احتياجات المؤسسة من الوظائف والأفراد وعددها ويتم إجراء هذه العملية في ضوء النتائج التي يتم التوصل إليها من جراء القيام بالمهمتين السابقتين، وعلى أساس التغيرات الحاصلة أو المتوقعة في حجم النشاط والمستوى الفني والتقني في المؤسسة، والظروف القانونية والسياسية والاجتماعية في البيئة التي تعمل فيها، ولا سيما الظروف المؤثرة تأثيراً مباشراً أو غير مباشر في عبء العمل وقوته.
وعلى هذا النحو يتم تحديد الوظائف والأعمال اللازمة لأداء أنشطة المؤسسة وتحديد مضمونها وعدد الأفراد اللازمين للقيام بها استناداً إلى الخطط والبرامج المستقبلية.
الاختيار والتعيين: تهدف هذه المهمة إلى توفير نوع من التوافق والانسجام بين متطلبات العمل وشروطه من جهة، وبين مواصفات الفرد وخصائصه بما يمتلك من قدرات ومهارات ومؤهلات وما شابه ذلك من جهة أخرى. وإذا كان الاختيار يحقق مثل هذا الأمر فإن التعيين يأتي ليتمم عملية الاختيار في توفير التوافق بين متطلبات الوظيفة والخصائص الشخصية للفرد، ومن ثم توجيه هذا الفرد - بعد تسلمه العمل - وفقاً للأنظمة والقواعد المعمول بها في المؤسسة والقوانين النافذة فيها.
التدريب والتنمية الإدارية: ينحصر دور إدارة الأفراد في مجال التدريب والتنمية الإدارية بتحديد الاحتياجات التدريبية لجميع الأفراد العاملين في المؤسسة ومن ثم وضع البرامج اللازمة من أجل تلبية هذه الاحتياجات وتقويم النتائج النهائية لتلك البرامج. إذ لا يمكن أن يعد اختيار الأفراد وتعيينهم نهاية المطاف لإدارة الأفراد. وإنما يجب متابعة إعداد هؤلاء الأفراد وتوجيه قدراتهم ومهاراتهم وتنميتها بصورة مستمرة ومبرمجة بما ينسجم مع أية تطورات فنية وتقنية. وتشمل عملية التدريب والتنمية تعريف العاملين القوانين والأنظمة والتعليمات، وتزويدهم بالمعارف اللازمة وأساليب العمل الجديدة، وكذلك تطوير مهاراتهم الإدارية لتمكين الأفراد المشرفين على وظائف الإدارة الأساسية من اتخاذ القرارات المناسبة في الأوقات المناسبة.
تقويم الوظائف والأعمال: ويقصد بهذه المهمة تحديد قيمة كل عمل أو وظيفة قياساً إلى قيم الوظائف الأخرى في المؤسسة الواحدة، والتقويم عملية منظمة تقوم بها إدارة الأفراد وتختص بموضوع الوظيفة، وذلك بوضعها في مستوى مادي معين من دون التعرض لشاغلها. أو بعبارة أخرى يهدف التقويم إلى تقدير قيمة الوظيفة في ضوء أوصافها ومتطلباتها وظروف تأديتها مقارنة بالوظائف الأخرى، ومن ثم ترتيب الوظائف من أجل وضعها في مكانها المناسب في سلم الوظائف الذي يحدد أولويات وظائف المؤسسة من حيث توافر عوامل التقويم الرئيسة فيها ودرجتها ومداها. ولا يرتبط التقويم مباشرة بأجر الوظيفة بل يعد وسيلة لوضع نظام عادل للأجور يزيل كل أسباب الشكوى والتذمر وعدم الرضا.
وتقوم إدارة الأفراد اعتماداً على عوامل التقويم المذكورة سابقاً وعلى أجزائها الفرعية أيضاً بإجراءات التقويم بإحدى الطرائق الوصفية كطريقة الترتيب وطريقة الدرجات أو بإحدى الطرائق الكمية كطريقة مقارنة العوامل أو طريقة النقط.
تخطيط سياسات الأجور والحوافز: يحتل موضوع الأجور والحوافز جانباً كبيراً من اهتمامات إدارة الأفراد. فقد تجذب سياسات الأجور والحوافز الأفراد المهرة للعمل في مؤسسة ما وتدفعهم لأداء العمل بكفاية عالية مع الإحساس بشعور الرضا والاعتزاز والرغبة في الاستمرار، أو قد تؤدي إلى العكس من ذلك تماماً.
ولكي تعطي الأجور والحوافز ثمارها في أداء منتظم وفعال تقوم إدارة الأفراد بتقديم اقتراحاتها للإدارة العليا فيما يتعلق بسياسات الأجور والحوافز التي تراها مناسبة أكثر من غيرها.
ولدى التخطيط لسياسات الأجور والحوافز لا بد من أن يؤخذ في الحسبان أمور ثلاثة هي:
معايير الإنتاجية ونتائج تقويم الأداء، ونتائج تقويم الوظائف والأعمال، والتشريعات والنظم الحكومية المتعلقة بالأجور ولا سيما سياسات الحد الأدنى لها.
وتقوم إدارة الأفراد لدى دراسة سياسة الأجور بمهمتين أساسيتين: الأولى: تحديد هيكل الأجور الذي على أساسه تقدم اقتراحاتها المتعلقة بطرائق دفع الأجور المناسبة. ولما كان تقويم الوظائف لا يتجه إلى تحديد الأجر مباشرة،فإن إدارة الأفراد تقوم في أثناء تحديدها لهيكل الأجور بحصر مجموعات وظائف المؤسسة بعدد محدود من الدرجات، ثم تقوم بتحديد معدلات أو فئات الأجر المقابلة لكل درجة من الدرجات الوظيفية. أما المهمة الثانية فهي وضع نظام للحوافز والمكافآت تستطيع إدارة المؤسسة بوساطتها توجيه سلوك الأفراد باتجاه الأداء المرغوب فيه.
القيادة والإشراف: تعد القيادة والإشراف ممارستان موجهتان للتأثير في سلوك العاملين وضبطه وتوجيهه على نحو يحقق الأهداف المرسومة للمؤسسة، وتقوم إدارة الأفراد، في هذا المجال، بتحديد القواعد العامة لنمط القيادة الذي يمكن الإدارة من كسب رضا العاملين وترسيخ قناعاتهم بأن مصالحهم الفردية لا تتعارض بأي وجه من الوجوه مع مصالح المؤسسة.
ولتحقيق ذلك، تعد إدارة الأفراد مسؤولة عن إرساء مبادئ القيادة الديمقراطية وأسسها، التي تنمي المهارات الفنية والفكرية والإنسانية لدى العاملين. ولقد أثبتت نتائج الأبحاث التي أجريت على أنماط القيادة المتبعة ومستوى إنتاجية المؤسسة، أن اختيار المشرفين القديرين على قيادة مرؤوسيهم بأسلوب يدفع نحو تنمية مواهبهم وقدراتهم العلمية والعملية ويعزز فيهم روح المسؤولية والمشاركة، يحقق زيادة كبيرة في إنتاجية المؤسسة.
تصميم نظام الاتصالات: إن مهمة إدارة الأفراد في مجال الاتصالات ينحصر في تصميم نظام فعال للاتصالات يعمل على تحقيق المشاركة والتفاهم بين العاملين والإدارة. ويتطلب تصميم نظام اتصالات فعال اختيار الأدوات والوسائل التي تضمن تحقيق السرعة في إيصال المعلومات إلى جميع الاتجاهات اللازمة، والدقة والوضوح في إيصال المعلومات من دون تأويل أو تحريف، وسهولة استخدام النظام، واستجابة المرسل إليهم لإجراء المطلوب، بمعنى توفير القدرة على التأثير في سلوك الآخرين على النحو المطلوب.
تقويم الأداء: يقصد بتقويم الأداء قياس مستوى الأداء الفعلي لكل فرد أو مجموعة أفراد ومقارنته بالمستوى المطلوب وتشخيص أسباب انحرافات الأداء إن وجدت. ويعد تقويم الأداء أحد الأسس التي تستخدمها الإدارة لرسم سياسات الأجور والحوافز والترقية ووضع كل شخص في المكان الذي يتناسب مع قدراته ويتوافق مع مؤهلاته.
والمهمة الأساسية لإدارة الأفراد في هذا المجال لا تنحصر في قياس الأداء وإنما في اختيار المقاييس التي تضمن تحقيق الموضوعية في التقويم، أي المقدرة على قياس الأداء الفعلي من دون التأثير بأية مؤثرات خارجية، والثبات في التقويم، أي أن تكون النتيجة واحدة في جميع الحالات مهما كان عدد المقومين، وأخيراً الوضوح في القياس والسهولة في استخدام نتائج التقويم.
تهيئة ظروف العمل المناسبة: تقوم إدارة الأفراد بجميع الدراسات والإجراءات التي تمكنها من توفير الظروف الملائمة التي قد تسهم في زيادة المقدرة على العمل وتحسين مستوى الإنتاجية وترغيب العاملين في الاستمرار بالعمل، وتعمل على التقليل من وقوع الحوادث ومن حالات ترك العمل والتأخر والغياب.
وتشمل ظروف العمل مجموعتين من الشروط هي: الشروط المادية كالإضاءة والتهوية والرطوبة وأوقات الراحة وما شابه ذلك. والشروط الاجتماعية، أو ظروف العمل الاجتماعية، التي تساعد على إيجاد نوع من العلاقات والصلات بين الأفراد خارج جو العمل كالتنظيمات غير الرسمية (الأحزاب والجمعيات والنوادي وغيرها) أو إقامة علاقات الصداقة مع الآخرين.
تؤدي إدارة الأفراد دوراً مهماً إذا استطاعت تهيئة ظروف العمل الاجتماعية التي لا تتعارض مع أهداف المؤسسة وسياساتها وتسهم في الوقت نفسه في إشباع بعض حاجات العاملين النفسية والاجتماعية.
سياسة العاملين والعلاقات العامة
تتوقف فاعلية تنفيذ وظائف إدارة الأفراد ومهامها على السياسة التي تزمع إدارة المؤسسة أو الشركة تطبيقها والسير على هديها ويتجه موضوع هذه السياسات لدى ممارستها باتجاهين: الأول داخلي نحو الأفراد العاملين لدى المؤسسة، والثاني خارجي نحو البيئة التي تعمل فيها.
ويقصد بسياسة العاملين أو السياسة الداخلية مجموعة القواعد والمبادئ والأحكام الرئيسة والتي سيلتزمها جميع الأفراد العاملين في المؤسسة لدى ممارستهم الأعمال والأنشطة اللازمة لتحقيق أهدافها المنشودة، وتوضح سياسة العاملين الحدود العامة لكل وظيفة من وظائف إدارة الأفراد حتى لا يحدث أي احتكاك بين الإدارة والعاملين بشأنها.
وتسعى المؤسسات (الشركات) من وراء تطبيق السياسات الخاصة بالعاملين إلى تحقيق أهداف عدة منها إيجاد مفهوم موحد للقواعد والمبادئ وأساليب العمل يلتزمها جميع العاملين، وتحقيق نوع من العدالة النسبية في تعامل المؤسسة أو الشركة مع عامليها بتطبيق قواعد ومبادئ تشمل جميع العاملين وتشيع جواً من الثقة بين العاملين والإدارة، وكذلك إيجاد نوع من علاقات التعاون والتنسيق بين مختلف إدارات المؤسسة بقصد تنفيذ البرامج والخطط على أفضل نحو ممكن، وزيادة كفاية الإدارة في اتخاذ القرارات.
ويمكن تقسيم سياسات العاملين بحسب الهيكل التنظيمي للمؤسسة، أو بحسب مهام إدارة الأفراد ووظائفها. وتؤدي السياسات التي توضع وفقاً للهيكل التنظيمي دوراً كبيراً في توجيه جميع أنشطة المؤسسة باتجاه تحقيق أهدافها العامة. وهناك أربعة أنواع من السياسات المبنية على أساس الهيكل التنظيمي هي:
السياسات العامة: وهي الإطار العام لمجموعة القواعد والأحكام والأنظمة التي تتناول السياسات المختلفة، والتي تعد موجهاً عاماً للإدارة العليا.
السياسات التنظيمية: وهي توجيهات عامة للمديرين في المؤسسة لمعالجة مشكلة ما أو أمور معينة.
السياسات التشغيلية: هي مجموعة مؤشرات يتقيد بها جميع المشرفين (الإدارة الدنيا) في أثناء تنفيذ الخطط والبرامج التشغيلية.
السياسات الإجرائية: ويخضع لأحكامها نشاط جميع الأفراد العاملين في المؤسسة.
أما السياسات الوظيفية فهي تلك السياسات المتعلقة بشؤون الأفراد الوظيفية كالاختيار والتعيين والتدريب والتوصيف والأجور والتقويم وما إلى ذلك من الفعاليات التي مر ذكرها بصدد مهام إدارة الأفراد.
إن نجاح سياسات العاملين في تحقيق الأهداف المتوخاة منها يتوقف على الخصائص التي يجب أن تتسم بها هذه السياسات. ومن أهم السمات التي يجب أن تتحلى بها سياسات العاملين: أن تكون القواعد والأحكام والمبادئ محددة بوضوح ولا تقبل التفسير أو التأويل. وأن تكون السياسات مفهومة من العاملين أنفسهم، ومن الفئات الخارجية ذات العلاقة كالموردين والمستوردين وسواهم. وأن تكون مرنة تستطيع مواكبة التغيرات والمستجدات داخل المؤسسة وخارجها. وأن توفر إمكانية متابعة تطبيقها واحترام الجميع لها.
أما السياسات الخارجية نحو البيئة المحيطة أو إزاء المجتمع الذي تعمل في نطاقه المؤسسة فتهدف إلى إقامة العلاقات المتوازنة وتحقيق الصلات الطيبة بين المؤسسة ومختلف الفئات التي تتعامل معها أو ذات العلاقة غير المباشرة بنشاط المؤسسة وتدعى مثل هذه العلاقات «العلاقات العامة».
ومما يزيد من أهمية العلاقات العامة في الإدارة المفهوم الحديث لواجبات المؤسسة وجميع مشروعات الأعمال إزاء المجتمع. فبعد أن انفصلت الإدارة عن ملكية رأس المال وظهرت الشركات المساهمة التي يمتلك رأس مالها آلاف الناس الذين يعيشون في مناطق مختلفة ومتباعدة، وبعد أن تعزز دور الشركات والمؤسسات الحكومية في قيادة الاقتصاد الوطني في بعض الدول، أصبح للمؤسسات وظائف اجتماعية لها دورها في تحقيق أهداف عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فقد تستخدم بعض المؤسسات عدة آلاف من العاملين كما قد يكون لها علاقات مع عدد كبير من الموردين والمستوردين، إذ قد يصل عدد الزبائن الذين يستهلكون منتجات إحدى الشركات إلى الملايين، مما يحتم على الإدارة التخطيط لعلاقات منظمة مع كثير من الهيئات الاجتماعية وإقامة صلات ودية دائمة معها. وبصفة عامة تعرف العلاقات العامة بأنها عملية اتصال مستمر بين الإدارة وجمهور العاملين والمتعاملين وكسب ثقتهم وضمان قيام تفاهم متبادل بينهم بقصد تحقيق التوافق بين مصلحة المؤسسة ومصلحة المجتمع وتحسين الروح المعنوية للعاملين والإقلال من اضطرابات العمل. وبهذا المعنى فإن أعمال العلاقات العامة متصلة اتصالاً وثيقاً بالسياسات الداخلية للمؤسسة، ومن هنا تأتي أهمية التنسيق بين الوحدة الإدارية (إدارة أو قسم) المسؤولة عن العلاقات العامة من جهة وبين إدارة الأفراد من جهة أخرى.
وتختلف مهام العلاقات العامة وواجباتها من مؤسسة لأخرى بحسب الظروف المحيطة بها، كحجم الفئات ذات العلاقة بالمؤسسة وعددها والمركز المالي لهذه المؤسسة. وموقف الجمهور منها، والنظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمجتمع الذي توجد فيه المؤسسة.
ويمكن حصر أعمال العلاقات العامة بالمهمات الخمس التالية: الاتصال بالهيئات والأفراد ذوي العلاقة بالمؤسسة كالعاملين والمساهمين والمستهلكين والموردين والهيئات الحكومية والمنظمات الاجتماعية وغيرها.
وتحديد وسائل الاتصال بالأفراد والهيئات وتصميمها كالمطبوعات، والإعلانات، والخدمات الاجتماعية، والبرامج والمحاضرات، وحفلات الاستقبال، والرسائل والأفلام وما شابه ذلك. والقيام بالبحوث والدراسات المتعلقة بفئات الجمهور المختلفة لمعرفة رغباتهم وآرائهم، وإجراء الدراسات الخاصة بالتطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ورسم سياسات العلاقات العامة وتنسيقها وتحديد أهدافها وأساليب تنفيذها وتحديد نظم الاتصال مع الإدارة العليا والإدارات والأقسام المختلفة في المؤسسة لتنسيق العمل بين الجميع طبقاً للسياسات الموضوعة. وإدارة الأعمال في قسم العلاقات العامة بالكفاية المطلوبة والإشراف على جميع العاملين داخل القسم نفسه.