يعتبر موضوع تسيير الموراد البشرية من أهم المواضيع التي إستحوذت على إهتمام الكثير من المذكرين والمختصين في مجال إدارة الأعمال وذلك كون أن للعنصر البشي أهمية كبيرة، حيث أنه يعتبر من أهم عوامل الإنتاج في المنظمة.
وفي ظل التغيرات والتحولات التي يشهدها العالم، في مختلف جوانب الحياة المعاصرة، أصبحت تعاني الكثير من المنظمات الإنتاجية، والإقتصادية من مشاكل الفائض أو العجز في بعض الأوقات من الموارد البشرية في مجالات العمل المختلفة، فبينما تشكو إدارات أو أقسام معينة في هذه المنظمات من زيادة عدد الأفراد عن حاجتها الفعلية، نجد إدارات أو أقسام أخرى تعاني، من ضغط العمل وعدم إمكانها تحقيق أهدافها لقلة مواردها البشرية.
مما أدى إلى الإهتمام المتزايد بالموارد البشرية في المنظمات المعاصرة وإدماجه إلى الإدارة الإستراتيجية بعدما أن كان هذا الإهتمام منحصرا على عدد قليل من المتخصصين الذين يعملون في تقسيم تنظيمي متخصص يطلق عليه " قسم إدارة الأفراد" .
وبالتالي إدماج إدارة الموارد البشرية للإدارة الإستراتيجية أصبحت من مهام الإدارة العامة، حيث هذه الأخيرة تحاول إدماج المورد البشري في القرارات الإستراتيجية عن طريق التخطيط ووضع برامج خاصة القابلة للتغيير من أجل توفير المورد البشري الملائم والضروري لتحقيق الأهداف التنظيمية.
وبالتالي نطرح الإشكالية التالية :
مامفهوم الإدارة الإستراتيجية للموارد البشرية وماهي أسسها؟
وما مفهوم ادارة الموارد البشرية الإستراتيجية المعاصرة؟
فننطلق من الفرضيات التالية :
* إن المنظمة تحاول إقامة بناء إستراتيجي للموارد البشرية من أجل تحقيق أهدافها.
* تحاول المنظمة التوفيق بين التحديات (الخارجية والداخلية) والموارد البشرية، التي تملكها للتكيف مع التغيرات البيئية.
* بروز مفهوم إدارة البشرية الإستراتيجية المعاصرة الذي أدى إلى التوافق بين إدارة الموارد البشرية وعوامل التغيير .
- أساسيات الإدارة الإستراتيجية :
I- مفهوم الإستراتيجية : توجد تعاريف متعددة للإستراتيجية ، نستعرض لأهمها:
حسب علي عبد الله :" يقصد بها تلك القرارات التي تهتم بعلاقة المؤسسة بالبيئة الخارجية، فحيث تتسم الظروف التي يتم فيها إتخاذ القرارات بجزء من عدم التأكد، يقع على الإدارة عبء تحقيق تكيف المؤسسة لهذه التغيرات "1 .
كما عرفها chandler: "هي تحديد الأهداف طويلة الأجل وتخصيص الموارد لتحقيق هذه الأهداف "2 .
كما عرفها أحد المسيرين :" هي مجموعة القرارات والنشاطات المتعلقة بإختيار مسالك التي يتم فيما تخصيص مختلف الموارد من أجل تحقيق الأهداف"3 .
نستطيع القول أن الإستراتيجية هي ذلك التصور الذي تتوقعه المنظمة في المستقبل ومن خلاله تختار مسار أو مسلك لتحقيق أهدافها وذلك في ظروف عدم التأكد والمخاطرة.
II -2 مفهوم الإدارة الإستراتيجية : من أهم تعاريف الإدارة الإستراتيجية نجد:
حسب على السلمي :" هي منهجية فكرية متطورة توجه عمليات الإدارة وفعاليتها بأسلوب منظم سعيا لتحقيق الأهداف والغايات التي قامت المنظمة من أجلها"4 .
حسب علي عبد الله:"هي إتخاذ القرارات المتعلقة ببقاء المنظمة وتفوقها في السوق أو سقوطها أو إختفاءها من السوق، ومن ثم فهي تحرص على إستخدام الموارد التنظيمية المتاحة أفضل إستخدام ممكن بما يتواءم مع متغيرات البيئة الداخلية والخارجية"1 .
وبالتالي فالإدارة الإستراتيجية هي التفكير في كيفية إستعمال الموارد المتاحة للمنظمة من أجل تحقيق الغايات والأهداف المراد تحقيقها.
I -3 عناصر البناء الإستراتيجي : يتطلب تطبيق منهجية الإدارة الإستراتيجية وجود بناء إستراتيجي متكامل يضم العناصر الرئيسية التالية :2
* آلية واضحة لتحديد الأهداف والنتائج المرغوبة ومتابعة تحقيقها وتعديلها وتطويرها في ضوء المتغيرات الداخلية والخارجية.
* آلية مرنة لإعداد وتفعيل مجموعة السياسات التي ترشد وتوجه العمل في مختلف المجالات، وتوفر قواعد للإحتكام و إتخاذ القرارات، وتضمن حالة من التناسق والتناعم بين متخذي القرارات في جميع قطاعات المنظمة.
* هيكل تنظيمي يتميز بالبساطة والفعالية والتوافق مع مقتضى الحال في المنظمة، يوضح الأدوار والمهام الأساسية ويرسم العلاقات التنظيمية في ضوء تدفقات العمليات وتداخلاتها.
* نظم وإجراءات تنفيذية لتوجيه الأداء في مختلف العمليات تتسم بالمرونة والفعالية، وتستهدف تحقيق النتائج.
* أفراد تم إختيارهم بعناية، يتمتعون بالصفات والقدرات المناسبة لأنواع العمل، وعلى إستعداد لقبول التغيير أي من أهم صفاتهم المرونة.هم صفاتهم المرونة وصلاحيات محددة جيدا، وموزعة بين الأفراد بما يتناسب ومسؤولياتهم مع وضوح معايير المحاسبة والمساءلة وتقييم الأداء والثواب والعقاب.
* نظم وإجراءات ومعايير لإتخاذ القرارات تتناسب مع أهميات المشاكل وتتطور مع تغير الأوضاع.
* نظم لإستثمار وتنمية طاقات الموارد البشرية وتوجيه العلاقات الوظيفية تتناسب مع نوعية المورد البشري ومستواه الفكري ومدى الندرة فيه، كما تتوافق مع الظروف العامة الخارجية وتتسم بالمرونة.
* نظم المعلومات وقنوات للإتصال الفعال تحقق التواصل بين أجزاء المنظمة وفيما بينها وبين العالم الخارجي وتحقق المعرفة الآتية لمجريات الأداء والظروف المحيطة.
* تجهيزات ومعدات وموارد مادية تم إختيارها وتوظيفها بعناية لتحقيق أقصى عائد ممكن منها في ظل الظروف السائدة والمتوقعة.
* تقنيات مناسبة appropriate technologies في مجالات النشاط المختلفة.
فكل ذلك في إطار من الفهم والإحاطة بظروف ومعطيات المناخ المحيط، ومن ثم التفاعل والإلتحام والتعامل مع عناصره ، والرؤية المستقبلية الواضحة والتصور الشامل لوضع المنظمة في حركة التطور المستقبلي.
الإدارة الإستراتيجية للموارد البشرية :
II - تعريف الإدارة الإستراتيجية للموارد البشرية :
قبل تعريف الإدارة الإستراتيجية للموارد البشرية، نستطيع تعريف تسيير الموارد البشرية وذلك حسب علي عبد الوهاب "هي الوظيفة التي تتمثل في إختيار العاملين ذوي الكفاءات المناسبة وتسيير جهودهم وتوجيه طاقاتهم وتنمية مهاراتهم وتحفيز هؤلاء العاملين وتقييم أعمالهم والبحث في مشاكلهم وتقوية علاقات تعاون بينهم وبين زملاءهم ورؤسائهم وبذلك تساهم في تحقيق الهدف الكلي للمنظمة من حيث زيادة الإنتاجية وبلوغ النمو المطلوب للأعمال والأفراد"1
أما إدارة الموارد البشرية الإسترتيجية فهي " تعمل على تحقيق غاية المنظمة وأهدافها ورؤيتها، وذلك من خلال ترجمة الإستراتيجية العامة للمنظمة إلى إستراتيجية تفصيلية ومتخصصة في قضايا الموارد البشرية وتتضمن مايلي"2 :
* الغاية التي تبتغي إدارة الموارد البشرية تحقيقها بالتعامل مع العنصر البشري في المنظمة.
* الرؤية التي تحددها الإدارة لما يجب أن تكون عليه ممارستها في مجال الموارد اللبشرية.
* الأهداف الإستراتيجية المحددة المطلوب في مجالات تكوين وتشغيل وتنمية ورعاية الموارد البشرية.
* السياسات التي تحتكم إليها إدارة الموارد البشرية في إتخاذ القرارات والمفاضلة بين البدائل لتحقيق أهداف الإستراتيجية .
* الخطط الإستراتيجية لتدبير الموارد اللازمة وسد الفجوات في المتاح منها للوصول بالأداء في مجالات الموارد البشرية إلى المستويات المحققة للأهداف والغايات.
* معايير المتابعة والتقييم التي تعتمدها الإدارة للتحقق من تنفيذ الإستراتيجية والوصول إلى الإنجازات المحددة.
"ونتيجة المنظمات خاصة في الآونة الأخيرة إلى إعداد إستراتيجية عامة للموارد البشرية والتي تتضمن الغايات ومختلف السياسات والتوجهات الرئيسية التي تعتمدها الإدارة في مجالات الموارد البشرية كونها أنها تعبر عن الإختيارات والبدائل الجوهرية التي تتناسب مع الإستراتيجية العامة للمنظمة "1 ، ولهذا فالإستراتيجية العامة للموارد البشرية تنبع منها إستراتيجيات فرعية ذات الأهمية الكبيرة، والتي نستطيع التعرض إليها كمايلي:
* إستراتيجية إستقطاب وتكوين الموارد البشرية : والتي تهدف إلى إستقطاب العناصر ذات كفاءة وخبرة جيدة بغرض توظيفهم وإستخدامهم في تطوير وتحسين الوضعية الإقتصادية لها ويرتبط هذا الهدف بتخطيط القوى العاملة وتقدير الإحتياجات منها.
* إستراتيجية إدارة أداء الموارد البشرية : والتي تهدف إلى صياغة إستراتيجية من أجل التسيير الفعال للأفراد داخل المنظمة بهدف تحقيق الأهداف المسطرة كون أن هذا الأخير يؤثر على نتائجها وموقفها التناسبي.
* إستراتيجية تدريب وتنمية الموارد البشرية : وذلك بغرض رفع كفاءة ومعارف ومهارات العاملين وتوجيه إتجاهاتهم نحو أنشطة معينة.
* إستراتيجية قياس وتقييم أداء الموارد البشرية : من أجل معرفة مدى إتفاق الأداء الفعلي مع الأداء المستهدف من حيث الحجم، الكميةن السرعة، الوقت ، الجودة ، التكلفة ، الإستمرارية والتدفق ، وكذلك تقييم على مدى تناسق، عناصر الأداء والقائمين عليه مع المواصفات التي يتضمنها تصميم العمل.
* إستراتيجية تعويض ومكافأة الموارد البشرية : وهذه الإستراتيجية تعتمد على نظام الحوافز، المتمثل في الترقية والسياسات الأجرية المغرية.
وفي أغلب الفترات من أجل إعداد إستراتيجية الموارد البشرية الموافقة للإستراتيجية العامة للمنظمة، يكون الإعتماد على نظام المعلومات لتسيير الموارد البشرية الخاص بالأفراد داخل المؤسسة والذي يتكون من معطيات وبيانات متجددة وآنية والتي تساعد في إنجاز وظائف الموارد البشرية من جهة، ومساعدة متخذي القرارات في التنفيذ والمتابعة.
II -2- إجراءات بناء إستراتيجية الموارد البشرية : "تباشر إدارة الموارد البشرية الإجراءات التالية لبناء إستراتيجية فعالة وقابلة للتنفيذ" 1، ولكن قبل إقامة إستراتيجية الموارد البشرية يستلزم المعرفة الجيدة لثقافة المؤسسة وكذلك لمشروعها"2.
* تكوين وتحديد فلسفة الشركة: وتعد هذه المرحلة مرحلة تمهيدية قبل القيام بالإجراءات اللازمة لإقامة إستراتيجية الموارد البشرية، والتي تتعلق بتحديد ثقافة المؤسسة (سبب وجودها) من خلال القيم الأساسية التي تبنى عليها المنظمة ، فثقافة المؤسسة تعرف حسب Maurice thevonet كعنصر من عناصر ذمة المؤسسة، فهي معرفة أداء المؤسسة وطريقة نشاطها وتفكيرها "3 كما يقول أيضا " أنها منتوج تاريخها وليس منتوج آني "4 وتحديد سبب وجود الشركة ودورها في المجتمع الذي ينتمي إليه وماهي دوافع أصحابها وكبار الإداريين فقد " يعتبر السبب الرئيسي هو خلق وتوفير فرص للعمل سببا لوجود المنظمة ويعتبر هذا موجب للنمو المستقبلي حيث لايمكن إغفال العلاقة الإرتباطية بين المنظمة والبيئة التي تعمل فيها"5 .
فبعد تحديد فلسفة المنظمة ، تأتي إقامة أهم العناصر والإجراءات المبنية عليها إستراتيجية الموارد البشرية والمتمثلة في :
1- تحليل المناخ الخارجي: يقصد به بتحليل المناخ والتعرف الدقيق والمتابعة النشيطية لعناصر المناخ ومكوناته وما يطرأ عليها من تغيرات، وهو يضم كل مايحيط بالمنظمة من مؤسسات وتجمعات تتصل بعملها بشكل مباشر أو غير مباشر، فهي تسبب عدة تأثيرات قد تؤثر على المنظمة كونها تسبب الغرص أو التهديدات لإدارة الموارد البشرية الإستراتيجية "حيث تتمثل هذه الفرص والتهديدات في بعض الأمور ومنها : عرض العمالة والمتطلبات القانونية المتزايدة والتي تحكم سياسات وممارسات إدارة الموارد البشرية والتغير التكنولوجي السريع، أيضا يجب الإلمام بإستراتيجيات المنافسين المتعلقة بالموارد البشرية "1 .
فكل هذه التغيرات المذكورة سابقا تؤثر على الإتجاهات المستقبلية للعمل مثل القدرة على جذب والحفاظ على أفضل المهارات البشرية المتاحة.
2- تحليل المناخ الداخلي: ونقصد بالمناخ الداخلي بمجموعة العناصر البشرية، المادية والمعنوية التي تتفاعل فيما بينها من أجل تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها المنظمة والتي تقد تقوي أو تضعف وتحد من إختيار تصرفات معينة من مجموعة التصرفات المستقبلية المحتملة للمنظمة وهذه العوامل تتمثل في :
* الأفراد كونهم أهم مورد في المنظمة.
* مختلف الوظائف الموجودة في المنظمة.
* المعدات والتجهيزات والأموال .
* الأساليب المتبعة في أداء الأعمال داخل وخارج المنظمة.
* المعلومات والتقنيات المتوفرة في المؤسسة.
* العلاقات الإنسانية والتنظيمية القائمة عليها المنظمة.
" ويجمع المناخ الداخلي بصفة عامة ما تتمتع به المنظمة من قدرات وإمكانيات توظفها في تحقيق أهدافها ، كما يضم القيود والمحددات التي توضح القدرة الحقيقية أو الفعلية التي يمكن للمنظمة الإعتماد عليها فعلا"2 .
إن تحليل عناصر المناخ الداخلي يمثل من أهم العناصر الذي تهتم به إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية "3.
* أهداف وغايات المنظمة ومدى النجاح في تحقيقها.
* إستراتيجيات المنظمة العامة والإستراتيجيات القطاعية والوظيفية لمختلف تقسيمات المنظمة (الإنتاج ، التسويق ، التمويل، التطوير التقني، تطوير المنتجات...).
* البناء التنظيمي وأسس توزيع المهام فهذا الأخير يعد من أساسيات فعالية إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية في بلورة وتفعيل إستراتيجيات الموارد البشرية.
* تحليل الهيكل الفعلي للموارد البشرية من حيث الأعداد والمؤهلات والخبرات ومستويات المهارة والكفاءة.
* تحليل التقنيات ونظم وتدفقات المعلومات.
وتتبلور نتائج تحليل المناخ الداخلي في التعرف على نقاط القوة ومصادر التمييز في المنظمة ونقاط الضعف ومصادر التخلف التي تعاني منها، وبالتالي "تحديد ماهية العوامل التي قد تقوى أو تضعف وتحد من إختيار تصرفات معينة من مجموعة التصرفات المستقبلية المحتملة للمنظمة"1
وفي أغلب الأحوال تكون نتائج تحليل المناخ الداخلي مصدرا مهما للمعلومات في بناء إستراتيجيات الموارد البشرية وغيرها من الإستراتيجيات الوظيفية بالمنظمة.
3- تحديد التوجهات الإستراتيجية للموارد البشرية : إن الخطوة الثالثة في بناء إستراتيجية الموارد البشرية هي تحديد التوجهات التي تسعى إليها المنظمة والإدارة العليا بها في مجالات الموارد البشرية والتي تتضمن القضايا الرئيسية في شؤون الموارد البشرية كالإستقطاب والإختيار والمفاضلة بين المصادر الداخلية أو المصادر الخارجية للحصول على العناصر المطلوبة....إلخ.
فتحديد مثل هذه التحديات يساعد في بناء الإستراتيجية والخطط والبرامج التفصيلية في هذا المجال الحيوي، ويساعد في تحديد الأنشطة الرئيسية والمجالات الأساسية لمساهمات الموارد البشرية ، ومن ثم تحديد نوعيات وأعداد الأفراد ومواصفاتهم الدقيقة المتناسبة مع متطلبات تلك الأنشطة، كما تتحدد بناء على إستقراء التوجهات الإستراتيجية قضايا تتعلق بالإستثمار في تطوير نظم الموارد البشرية، ومدى الإقبال على بناء الطاقات التدريبية الذاتية للمنظمة، وحدود التمويل المتاح لتنفيذ برامج التطوير التقني لأداء وحدات إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية وغير ذلك من التفصيلات المتصلة بجوانب عمل تلك الإدارة.
4- تحديد الأهداف الإستراتيجية في مجال الموارد البشرية : أي تحديد ماهية أهداف المنظمة ، وماهي مجموعة النتائج التي تريد الوصول إليها من خلال الإستراتيجية التي سوف تطبقها وخطط الموارد البشرية، فالطبع يتطلب الأمر معرفة الأهداف الخاصة بالمبيعات والربح والعائد على الإستثمار أي نتائج كمية يمكن قياسها حتى تكون مرشدا للعمل، وربط هذه الأهداف بعنصر الزمن للتحقق من مدى إنجازها، كما لأنسى أنه يجب أن تكون هناك أهداف لكل من مجالات إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية "بمعنى أن تحدد النتائج المستهدفة من كل نشاط تباشره إدارة الموراد البشرية الإستراتيجية كي تكون تلك الأهداف هي المعبر التي تتم في ضوءها متابعة التنفيذ وتقييم الإنجازات على المستوى التفصيلي"2 .
5- صياغة وتكوين الإستراتيجيات: أخيرا يتطلب الأمر الإجابة على العديد من الأسئلة: ماهي إجراءات العمل التي يجب أن تتبعها المنظمة من أجل تحقيق أهدافها؟ وماهي الأهداف التشغيلية التي ستحقق خلال هذه العملية؟ وماهي التغيرات المطلوبة في الهيكل التنظيمي، العمليات الإدارية والأفراد المطلوبين؟ وبالتالي فالإجابة تكون على شكل خطة عامة Master plan للمنظمة التي تحدد السبل والمداخل لتحقيق أهداف المنظمة، والإختيارات التي يمكن أن توصل إلى الأهداف المسطرة، وبالتالي تحدد إستراتيجية الموارد البشرية من أجل إستخدام مالديها من إمكانيات وبأي أسلوب، وفي أي توقيت حتى يتحقق عنها أعلى عائد ممكن وفي هذا المجال أي (مجال الموارد البشرية) يكون التركيز منصبا على تخطيط الموارد البشرية، وكيفية الحصول عليها ، وتحديد المهام والواجبات الموكلة إليهم، وتنميتها وإستخدامها الإستخدام الأمثل ، وإنهاء خدماتها، ويمثل هذا بغرض تشكيل المنظمة بطريقة سليمة، ويمثل هذا نقطة إلتقاء إستراتيجية الموارد البشرية مع الإستراتيجية العامة للمنظمة.
6- تنفيذ الإستراتيجية : يتم تنفيذ الإستراتيجية من خلال ترجمتها في شكل خطط وبرامج وموازنات تعبر كل منها عن الأنشطة التي يجب تنفيذها، والموارد المخصصة لكل منها والتوقيت المحدد للأداء ومعايير الأداء المقبول، كذلك فإن التنفيذ السليم للإستراتيجيات يعتمد على سلامة وكفاءة التنظيم الذي يعهد إليه بذلك، كما يحتاج الأمر إلى مراجعة وإعادة التنظيم لضمان الكفاءة وسهولة التدفق للأنشطة والعمليات تحقيقا للإستراتيجية، أما بالنسبة لإستراتيجية الموارد البشرية يكون التنفيذ مرتبطا بدرجة المركزية أو اللامركزية في وظائف إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية ذاتها، فحيث تكون المركزية هي النمط السائد تتولى الإدارة المركزية للموارد البشرية تنفيذ الإستراتيجية الموضوعة والإشراف على إلتزام القطاعات المختلفة في المنطقة بمراعاة ماتفرضه الإستراتيجية ، أما في المنظمات التي تتبع النمط اللامركزي في إدارة الموراد البشرية الإستراتيجية تكون كل وحدة من وحدات المنظمة مسؤولة عن تنفيذ ما يخصها في إستراتيجية الموارد البشرية1 .
7-متابعة تنفيذ وتقييم نتائج الإستراتيجية : إن الأساس في عملية المتابعة والتقييم هو إنتاج تدفق مستمر ومنتظم من المعلومات السليمة في توقيت مناسب يكشف عمايلي من عملية تنفيذ الإستراتيجية:
1- الأداء الفعلي في مجالات الإستراتيجية المختلفة معبرا عنه بوحدات القياس المناسبة والمتفق عليها.
2- مقارنة الأداء الفعلي بالمستويات المخططة (المستهدفة) للأداء وبيان الإنحرافات بين الإنجاز والمخطط والبحث في أسبابه ومصادرها.
3- وضع الحلول البديلة للوصول إلى مستوى التنفيذ المستهدف.
وتتم الرقابة على تنفيذ الإستراتيجية على مستوى الرقابة الإستراتيجية للتأكد من سلامة التوجه الإستراتيجي لإدارة الموراد البشرية الإستراتيجية وكذلك على مستوى الرقابة التكتيكية، للتأكد من تطبيق الخطة الإستراتيجية وتنفيذ البرامج متوسطة المدى، وأخيرا تكون الرقابة على مستوى العمليات لمتابعة الأنشطة التفصيلية على المستوى التنفيذي المباشر قصير المدى1 .
III - إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية المعاصرة:
III -1- إستراتيجية تغيير قبل كل شئ : تبينت الإدارة المعاصرة أهمية وحتمية وجود التطوير المستمر، لأن هذا الأخير يعتبر سبيل بقاء وإستمرارية المنظمة في عالم التقنيات الجديدة المعاصر، وما تتيحه من إمكانيات وتفرضه من تحديات، حيث يشمل التطوير المستمر كل مجالات النشاط ، بما فيها وأهمها مجال نشاط الموارد البشرية، فهذه الأخيرة تتطور وتتغير مع المتغيرات والتحولات التي يشهدها العالم، حيث أدت هذه التحولات إلى مزيد من التغيير في الإهتمامات ومناطق التركيز في عمل الإدارة المعاصرة إذ يتحول إهتمام هذه الأخيرة من التركيز على قضايا الحاضر وإستثمار إنجازات الماضي إلى الإنطلاق للمستقبل وإبتكار الجديد في كل مجال، فمجال إدارة الموارد البشرية كذلك تغيير في طريقة التعامل وكيفية تسيير الأفراد.
ويتجلى بنا القول أن إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية المعاصرة تقوم على دراسة مختلف المفاهيم والتي أهمها:
* العولمة: "التي تعتبر الإندماج والتفاعل في الأنشطة الإنسانية الذي يتعدى الحدود التقليدية بين الدول والأقطار لاغيا بذلك حدود المكان وقيود الحركة والإتصال عما يحقق أيضا التخفف من قيود الوقت والزمان 1 "الأمر الذي يوجب على الإدارة المعاصرة البحث في إبتكار وتنمية منظومات جديدة من المفاهيم والنظم والآليات المتوافقة مع متطلبات العولمة.
* التحدي: حيث تركز الإدارة المعاصرة على أهمية الإدراك السليم للتحديات التي تهدد إحتمالات تحقيق الأهداف التي تسعى إليها.
* الرؤية الشاملة: تتعدد الزوايا التي تنظر منها الإدارة المعاصرة إلى واقع المحيط، وذلك من أجل تكوين صورة واضحة وشاملة لما يجري حولها وذلك في مختلف المجالات الإقتصادية، والإجتماعية ،السياسية ، الثقافية ، والتنافسية التي تواجهها، وذلك من أجل إقامة توجهات إستراتيجية أقرب إلى الصحة والدقة.
* دورة الحياة : وهو مفهوم أن دورة حياة كل من سلعة، مؤسسة أو نظام تمر بالمراحل التالية: الإنطلاق ، النمو، التطور والتدهور في إستراتيجية الموارد البشرية تمر بتلك الدورة وتختلف فعاليتها من مرحلة إلى أخرى.
* المحركات: تعتمد الإدارة المعاصرة للموارد البشرية الإستراتيجية على عدد من من المحركات من أجل تحقيق أهدافها ومن أهم المحركات الإستراتيجية نجد:
* التكلفة : فيكون تخطيط التكلفة هو أساس تحقيق الأهداف كما في حالة إعداد إستراتيجية للتدريب.
* السوق : مما يتكون من عرض وطلب وممارسات المنافسين وغيرها من المتغيرات في السوق "حيث أن المحركات السوقية هي أهم الإعتبارات التي تتأثر بها إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية في مسائل الإستقطاب والإختيار والتعيين وتحديد هياكل الرواتب والمكافآت أو قرارات تخفيض حجم العمالة وغيرها من القرارات ذات الأثر المالي أو التقني"1 .
* المنافسة : حيث أن التنافس على الموارد البشرية المتميزة من ذوي المعرفة هو أخطر وأهم أشكال الحروب التنافسية بين المنظمات سواء المحلية أو العالمية، وبالتالي تبنى برامج وخطط تكوين وتنمية الموراد البشرية والإحتفاظ بها وحمايتها من التسرب إلى المنافسين على أساس المعلومات والإتجاهات التي توفرها المحركات.
* قرارات وتوجهات الدولة: إن إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية مطالبة بالإلتزام بالقواعد الذي تنظم محيطها التي تصدر من التشريعات والنظم القانونية والقرارات وتوجهات الدولة في كل المجالات.
كما تتركز تأثيرات أهم التغيرات في أسلوب عمل الموارد البشرية الإستراتيجية في ضرورة القيام بمايلي:2
- رصيد المتغيرات وتوقع أثارها المحتملة.
- الكشف عن الفرص في المناخ والإعداد لإستثمارها بمصادر القوى الذاتية للإدارة.
- الكشف عن المعوقات في المناخ لتفاديها أو تحديد آثارها.
- الكشف عن نقاط القوة في المنظمة وتنميتها وتطويرها.
- الكشف عن نقاط الضعف في المنظمة والإعداد لعلاجها أو تحديد آثارها.
III -2- أهم إستراتيجيات الموارد البشرية البديلة : يجب على إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية المعاصرة مراعاة ألا يحدث تضارب بين الإستراتيجية العامة للمنظمة وإستراتيجية الموارد البشرية، حيث أن كلاهما تسعيان إلى تحقيق الأهداف المسطرة.
كما لا ننسى أن الإستراتيجية العامة تسعى إلى إتخاذ القرارات والمسارات التي تكفل التعامل مع المتغيرات والتحولات وإتجاهية النمو والتطور من أجل بلوغ الغايات، ولهذا وجود تكامل بين الإستراتيجيتين يعتبر المنطق الأساسي الذي تعتمد عليه إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية المعاصرة، ولهذا نستطيع ترصد على الأقل إستراتيجيات بديلة للموارد البشرية عند وجود إختلاف بين الإستراتيجيتين من أجل تحقيق التوازن.
1- الإستراتيجية الهجومية : هذا النوع من الإستراتيجية يساهم في مواجهة المعوقات والقيود من أجل مقاومتها والتخلص منها حيث أن الإدارة المعاصرة للمواد البشرية الإستراتيجية تقوم بصياغتها عند تواجد المنظمة في رحلة إنطلاق "إستراتيجية إنطلاق" 1 في بداية نشاطها، فتعتمد على سياسات الإستقطاب من أجل إختيار وتعيين أفراد ذوي مهارات وكفاءات عالية مع التركيزعلى الفعالية الجمالية وإجراءات توظيف خالية من القيود والتعقيد البيروقراطي كما أن بعض المنظمات تعتمد على هذا النوع من الإستراتيجيات عند تواجدها في مرحلة النمو " إستراتيجية النمو" 2 من أجل تدعيم وتحسين مركزها وموقعها التنافسي فهي بحاجة إلى أفراد ذوي روح الإبتكار والإبداع مع وضع حزمة برامج للحوافز والمكافأة.
2- الإستراتيجية الدفاعية: " والتي تساعد في المحافظة على مكتسبات الإدارة، أي الفرص التي تستثمرها فعلا وتصد كنها هجوم عوامل التغيير، مثال ذلك أن تعمد إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية إلى تطبيق نظم جديدة وسخية للحوافز لإغراء العاملين المتميزين بالبقاء وحثهم على مقاومة مغريات الإنتقال إلى المنظمات المنافسة "3
إن هذا النوع من الإستراتيجيات يطبق في مرحلة النمو " للمؤسسة حيث أنها تحاول الحفاظ على الإطارات الكفاءة في منشأتها من أجل تعزيز موقعها التنافسي.
3- الإستراتيجية الإنهزامية : نستطيع القول أنها ستسلم للقيود بتأثير نقاط الضعف الذاتية والمتغيرات المحيطة الذي تأثر سلبا على نشاط المنظمة مما يؤدي بها إلى الإنحطاط والتوقف عن العمل لفترات قد تطور مما يؤدي إلى تسريح العمال.
4- الإستراتيجية الوسطية : وهي عبارة عن الحل الوسط بالمساومة إلى هذا النوع من الإستراتيجيات في مواقف التفاوض خاصة مع نقابات العمال على شروط وعلاقات العمل ، إذ يطالب كل من الطرفين بمميزات وضمانات ويكون الحل عادة هو في التنازل الجزئي عن بعض الشروط في مقابل الحصول على بعض المنافع.
كما نستطيع القول أن إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية المعاصرة، تتبع الإستراتيجية البديلة للموارد البشرية المناسبة لقوتها النسبية وذلك في مواجهة عناصر التغيير المتوقعة من كل إستراتيجية أم القوة النسبية فهي مقياس لمدى سيطرة الإدارة على الموقف وتحكمها في سلوك المتغيرات المتفاعلة فيه، والمبدأ أنه كلما زادت القوة النسبية إتجهت إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية إلى إختيار إستراتيجية هجومية، وبالعكس كلما قلت القوة النسبية إتجهت إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية إلى إختيار إستراتيجيات دفاعية وحين تتعادل القوة النسبية لأطراف الموقف تميل الإدارة إلى الإستراتيجيات التوفيقة أو الوسطية.
ويمكننا القول إن التغير السريع الذي تعرفه المؤسسة في مختلف المجالات على كل المستويين الكلي والجزئي يؤثر على نشاطها من جهة وعلى كيفية تصميم وإنشاء إستراتيجيتها من جهة أخرى، يستدعي ضرورة تغيير النظرة للعنصر البشري كمتغير تابع سابقا إلى متغير إستراتيجي حاليا، فإن أرادت المنظمة إستمرارية نشاطها وبقاءها ، عليها تبين للإدارة الموارد البشرية الإستراتيجية التي تساعدها على خلق الدافعية لدى الأفراد والتي تكون مكملة للإستراتيجية العامة التي تتبعها.