السبت 5 مارس 2011
الجلسة الثالثة : التعاون الدولي والمحافظة على البيئة
رئيس الجلسة : الدكتور المهدي السرسار
المقرر: لبنى بوليفة
المداخلة الأولى : الدكتور أحمد نغاش
أستاذ زائر بكلية الحقوق السويسي ـ الرباط
المحافظة على البيئة و مسألة التمويل
لقد سعت المداخلة إلى ملامسة مجموعة من النقاط و أساسا إشكالية تمويل عملية المحافظة على البيئة الذي يعتمد بالأساس على المورد الضريبي كما حاولت الإجابة على مجموعة من التساؤلات من بينها:
ـ ما هي الإمكانيات المتاحة لتمويل المحافظة على البيئة.
ـ هل للتضريب البيئي وقع و موقع على المحافظة على البيئة.
ـ ما مدى إمكانية إدراج البعد البيئي في الإصلاح الجبائي.
وفي الختام تم الأكيد على أهمية مبدأ الملوث المؤدي الذي قام على تأسيس الرسوم البيئية في أوروبا كما يمكن اعتباره نوع من الضرائب الموجهة على اعتبار أنه يردع و يحفز.
المداخلة الثانية : الدكتور عبد الرحيم الشرقاوي
أستاذ بالمعهد الوطني للإحصاء و الاقتصاد التطبيقي ـ الرباط
التقنيات الجديدة للإعلام و التواصل كآلية مزدوجة لتحقيق التنمية
المداخلة الثالثة: الدكتور محمد بوبوش ـ باحث
النظام القانوني الدولي لحماية البيئة
أصبحت مشكلة التلوث البيئي تؤرق المسئولين على المستوى الدولي لأن التلوث البيئي مشكلة عالمية تتعدى حدود الدولة الوطنية، لذا حظيت هذه المشكلة باهتمام دولي كما فرضت نفسها فرضا لأن التصدي لها يتجاوز حدود و إمكانيات التحرك الفردي .
وقد سعت المداخلة إلى مقاربة البيئة من منظور القانون الدولي سواء من حيث تعريفها و تحديد خصائصها، وكذلك التطرق إلى الوسائل الدولية لمعالجة التلوث البيئي، إضافة إلى كل ما يثيره التلوث الدولي من إشكاليات قانونية مثل إقامة علاقة سببية بين الفعل الغير المشروع و الضرر الناجم عنه، و تعذر إثبات الخطأ أو التقصير في بعض الحالات .
ورغم هذه الصورة القاتمة لمنظور البيئة دوليا فإن الأوان لو يفت لتكثيف التعاون الدولي سواء بين الدول و المنظمات الدولية والمجتمع المدني العالمي لسن التشريعات و القوانين البيئية الرادعة و الصارمة لحماية البيئة.
المداخلة الرابعة : الدكتور عبد الجليل اللحمادي
الآليات الاقتصادية من أجل حماية بيئية
لقد حاولت المداخلة الإجابة على مجموعة من التساؤلات :
ـ هل التنمية الاقتصادية يمكن أن تتحقق و في نفس الوقت أن تحقق معها المحافظة على البيئة؟
ـ ما هي الوسائل الاقتصادية و فيما تتميز عن الوسائل الأخرى؟
ـ كيف نفسر تنفيذ الآليات الاقتصادية على أرض الواقع؟
كما تطرقت إلى مجموعة من النظريات خاصة نظرية التحليل الاقتصادي التوافقي و النظرية البيئية ـ البيئة البنيوية ـ كما أشار أيضا إلى المنظور الاقتصادي الذي يرى قي الاستثمار الحل و ليس المشكل .
و في الختام تمت الإشارة إلى العلاقة الجدلية بين القانون و البيئة و الاقتصاد من الذي له الأولوية.
المداخلة الخامسة: عبد الرحيم محسن ـ باحث
دور التكنولوجيات التطبيقية في المحافظة على البيئة
كانت المداخلة تقنية حاول من خلالها التعريف بمشكلة النفايات الصلبة , الآثار المترتبة على عدم معالجتها و المخاطر البيئية الناتجة و أيضا طرق معالجة النفايات سواء الحديثة أو البدائية المتجاوزة التي لا زلنا في المغرب نعتمدها كما أشار في الختام إلى إمكانية استغلال النفايات في إنتاج مواد ذات عائد اقتصادي .
المداخلة السادسة : زهير أمهاوش
الموارد الغابوية على الصعيد الوطني و الجهوي
حاولت المداخلة التعريف بالثروات الغابوية المغربية و بالدور لاقتصادي و الاجتماعي الذي تلعبه كما تطرقت إلى إكراهات التخطيط الاستراتيجي للمياه و الغابات و أيضا إلى المحاور الإستراتيجية للمخطط العشري للمياه و الغابات و تطرق أيضا إلى المجال الغابوي بجهة الريف إكراهات و رهانات التنمية .
توصيات :
ـ وضع قيود قانونية على كل المواد المؤدية للاحتباس الحراري باعتباره أحد الأسباب الرئيسية في التلوث البيئي، وتطبيق الاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص.
ـ تكييف التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية بخصوص الاستدامة البيئية
.ـ ضرورة الالتزام بعدم الفصل بين التشريع الوضعي والإسلامي، نظرا لما يشكله هذا الأخير من رافد أساسي لتطوير المنظومة القانونية من خلال عدم الاقتصار على إطار الرقابة الزجرية، وإنما يتعداه إلى اعتماد المراقبة الغيبية والذاتية.
ـ عدم الفصل بين المبدأين الأساسين لمفهوم البيئة وهما المبدأ الغيبي والمبدأ المادي .
ـ مراجعة السياسات العمومية الوطنية في مجال البيئة والتنمية المستدامة، ووضع آليات حقيقية لإقامة التوازن بينهما، وللتقعيد لهما، من خلال المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي كما هو في النموذج الفرنسي .
ـ الحد من الطموحات اللامتناهية للرأسمال، وإقامة التوازن المطلوب ما بين تشجيع الاستثمار وحماية المواطن والموارد البيئية، وتوفير الإرادة السياسية اللازمة لتحقيق ذلك .
ـ وضع استراتيجية وطنية تجمع بين المقترب القانوني والعلمي .ولتحقيق ذلك لابد من توفر ثلاثة مفاتيح:
1 ـ يعد بيئي ، 2 ـ إدارة فعالة، 3 ـ تربية بيئية تتمحور حول الإنسان ومقوماته.
ـ إعادة النظر في التشريعات البيئية الحالية
ـ إصلاح القضاء وتوفير الضمانات الكافية لتطبيق مختلف القوانين المتعلقة بالبيئة مع إيجاد الآليات الضرورية لتنفيذ الأحكام .
ـ تجريم هذه الأعمال المضرة بالبيئة بعقوبات محددة لطبيعة السلوكات مع التدقيق فيها .
ـ التسوية بين طبيعة العقوبات التي يرتكبها الأشخاص الطبيعيون والمعنويون في مجال تلويث البيئة، مع إقرار عقوبات مالية وسالبة للحرية لكل من ثبتت مسؤوليتها عن تلك الأعمال .
ـ دسترة المسألة البيئية للحفاظ عليها في علاقتها بالتنمية المستدامة.
ـ ضرورة إيلاء أهمية أكبر للمقاربة الوقائية للحفاظ على البيئة .
ـ تبسيط التشريعات المتعلقة بحماية البيئة
ـ التنصيص على وضع مسح شامل للمناطق البيئية الكبرى والمناطق الرطبة .
ـ تنسيق التدخلات في المجال البيئي.
ـ اعتماد تدابير عامة لتقوية الإطار القانوني والمؤسساتي للتدخلات في مجال البيئة.
ـ الرفع من الوعي البيئي .
ـ إنشاء وكالة وطنية لحماية السواحل
ـ إحداث مؤسسة وطنية لتدبير النفايات .
ـ إحداث بنية جهوية ومحلية لتنسيق التدخلات في المجال البيئي .
ـ إعمال المقترب القانوني عند التأطير القانوني لموضع البيئة .
ـ ملء الفراغات القانونية التي يعرفها مجال البيئة في المغرب، وكمثال على هذا الفراغ التشريعي: التلوث الصوتي، البيئة البحرية، والمناطق الرطبة .
ـ تدعيم الوسائل المالية والبشرية في مجال التدخل لحماية البيئة.
المقرر العام: طارق يزيدي
الوضعية البيئيـة بالمـغرب
مظاهر التردي وسبل الحماية
إعــداد : الدكتور إبراهيم گومغار
أستاذ باحث بكلية الحقوق، جامعة ابن زهر، أگادير
تقديم :
لقد تجاوب المغرب مع الاهتمام الدولي بالتحديات الإيكولوجية إذ حرص منذ وقت مبكر على إيلاء الأهمية لمشاكل التلوث ولقضايا البيئة هكذا فإن الإرادة السياسية لإعطاء الجانب البيئي المكانة اللائقة به، ترجمت سنة 1972 بإقامة أول جهاز حكومي مكلف بشؤون البيئة في إطار قسم البيئة بوزارة السكنى والتعمير والسياحة والمحافظة على البيئة كخطوة أولى نحو تشييد إطار مؤسساتي لقطاع البيئة والذي بلغ ذروته بإحداث وزارة للبيئة سنة 1995 والتي تكلفت بجميع الأعمال الهادفة إلى المحافظة على التوازن البيئي للمحيط الطبيعي، وقصد تحقيق التشاور وتقريب وجهات النظر بين مختلف الهيئات المتدخلة لحماية البيئة تم في سنة 1995 إعادة تنظيم الهيئات المكلفة بالمحافظة على البيئة وتحسينها بإحداث المجلس الوطني للبيئة والمجالس الجهوية والإقليمية للبيئة، وعلى مستوى التخطيط البيئي تم صياغة استراتيجية وطنية للمحافظة على البيئة والتنمية المستدامة ومخطط العمل الوطني للبيئة كما تم إحداث آليات للمراقبة والتقييم البيئي تجسدت في المرصد الوطني للبيئة والمختبر الوطني للدراسات ورصد التلوث،وقصد محاربة التلوث الناتج عن الأنشطة الصناعية ثم إحداث "صندوق محاربة التلوث الصناعي" . Fonds de Dépollution Industrielle-- كما تم إحداث " المركز المغربي للإنتاج الصناعي للتنظيف" الذي يهدف إلى تطوير منتوجات صناعية توفق بين معطيات الجودة وضرورة الحفاظ على البيئة بالاستغلال العقلاني والرشيد للموارد، ولقد تدعمت هذه المجهودات بانعقاد عدة مؤتمرات ولقاءات وندوات حول البيئة وتأسيس عدة جمعيات مهتمة بميدان البيئة والتنمية المستدامة.
وفي نفس السياق تستمر المبادرات الهادفة إلى إدماج البعد البيئي في البرامج التنموية قصد الوصول إلى تنمية مستدامة،إذ عرفت بلادنا مؤخرا انعقاد اللقاءات التشاورية حول الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة الذي سيتم إخراجه في صيغة قانون إطار لحماية البيئة والتنمية المستدامة.
إلا أنه رغم هذه المجهودات المبذولة فإن ذلك لا يعفينا من تقييم الوضعية البيئية بالمغرب إذ يتضح أن مؤشرات تدهور البيئة لا زالت مرتفعة وأن مختلف قطاعات البيئة لا زالت تعاني من التلوث. فما هي أشكال ومظاهر تردي البيئة ؟
وما هي التدابير المقترحة والكفيلة بحمايتها ؟
المبحث الأول : مظاهـر تردي البيئة
رغم تعدد وتنوع المشاكل البيئية إلا أنه عموما يمكن تصنيفها إلى مشاكل تؤدي إلى تردي البيئة الطبيعية وأخرى تؤثر في جودة البيئة الحضرية.
أولا : تردي البيئة الطبيعية
تتعدد مظاهر التدهور البيئي للوسط الطبيعي فإلى جانب تلوث المياه وتدهور الغطاء الغابوي هناك تلوث الهواء وانجراف التربة والتصحر وانقراض الثروات الحيوانية. ولقد آثرنا التركيز على تلوث المياه وتدهور الغابات باعتبارهما مشكلتين بيئيتين تلخصان مدى التردي الذي لحق بالموارد الطبيعية.
1- تلوث المياه
يعرف التلوث بشكل عام على أنه "الطارئ أو غير المناسب الذي أدخل في التركيبة الطبيعية أي الكيميائية والفيزيائية والبيولوجية للمياه أو للأرض أو للهواء فأدى إلى تغير أو فساد أو تدن في نوعية تلك العناصر مما يلحق الضرر بحياة الإنسان أو مجمل الكائنات الحية ويتلف الموارد الطبيعية ".
ويعد تلوث المياه إحدى المشاكل البيئية التي تخل بتوازن الوسط الطبيعي ذلك أن التزايد الديمغرافي والتوسع العمراني وتكاثر الأنشطة الصناعية كلها عوامل أدت إلى ارتفاع نسبة المياه المستعملة التي أضحت تهدد الموارد المائية بالتلوث خصوصا في ظل ضعف وسائل التطهير السائل وغياب التجهيزات الأساسية لمكافحة التلوث المائي مما أدى إلى تفاقم الآثار البيئية والصحية الناجمة عن تلوث المياه سواء تعلق الأمر بالمياه القارية أو المياه البحرية.
أ- تلوث المياه القارية
يمكن إرجاع تلوث المياه القارية السطحية منها والجوفية إلى مصادر متعددة من أهمها:
التلوث الناتج عن المياه المستعملة المنزلية والصناعية , حيث تقدر مياه الصرف الصحي المنزلية التي تنتج في الوسط الحضري بحوالي 500 مليون متر مكعب وتشكل المياه المستعملة المنزلية تهديدا خطيرا للموارد المائية لا سيما وأنها تحتوي على مواد ملوثة التي تنقل بواسطة شبكة الصرف الصحي والتي تتكون من مواد قابلة للتأكسد تقدر بحوالي 260 ألف طن , ومواد أزوطية تقدر بحوالي 48 ألف طن ومواد فوسفورية تقدر بحوالي 7300 ط (1) .
كما تتأثر المياه القارية بالمياه المستعملة الناتجة عن الأنشطة الصناعية المختلفة التي تتمركز بجانب الأودية والأنهار المغربية. تلك الأنشطة الصناعية التي تشمل صناعات النسيج والصناعات الجلدية والصناعات الورقية والصناعات البترولية والصناعات الغذائية والفلاحية والتي تلوث المياه بفعل ملفوظاتها السائلة التي قدرت سنة 1993 بحوالي 964 مليون متر مكعب والتي تحمل ملوثات عضوية تضر بجودة الموارد المائية إذ يتم تصريفها في شبكات التطهير الحضرية دون معالجة أولية لقلة محطات التصفية الخاصة بها وبالتالي فإن الوسط الطبيعي هو الذي يستقبل في آخر المطاف تلك المياه الملوثة.
التلوث الفلاحي يشكل بدوره مصدرا آخرا لتلوث المياه القارية السطحية والجوفية وهو تلوث ينتج عن الاستعمال الكثيف للأسمدة والمبيدات الحشرية مما يؤدي إلى الإضرار بالفرشات المائية الباطنية , كذلك يمكن إرجاع تلوث المياه لبعض حوادث التلوث الطارئ -La pollution accidentelle- الذي ينتج عن تسرب المياه المستعملة في قنوات الماء الصالح للشرب أو تدفق المحروقات النفطية والمواد الكيماوية في مياه الأنهار الأودية.
وأكيد أن التلوث بمختلف مصادره يؤدي إلى تدهور جودة المياه الذي يظهر في ارتفاع درجة الملوحة في المياه وتراكم النفايات وبقايا المواد الكيماوية غير القابلة للتحلل , أضف إلى ذلك ما ينتج عن تلوث المياه من أضرار صحية , إذ أن انتشار المستنقعات يؤدي إلى ظهور الحشرات والجراثيم خصوصا في المناطق التي تفتقد لشبكات التطهير والصرف الصحي وبالتالي تظهر العديد من الأمراض المرتبطة بتلوث المياه.
ب- تلوث المياه البحرية
يمكن تعريف التلوث البحري بأنه : " إضافة مواد أو طاقة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بفعل الإنسان في البيئة البحرية بما فيها مصب الأنهار , وينتج عنها - أو يحتمل أن ينجم عنها -آثار ضارة للموارد الحية أو الحياة البحرية , أو صحة الإنسان أو بما من شأنه إعاقة الأنشطة البحرية بما في ذلك صيد الأسماك أو الاستخدامات المشروعة للبحار أو التأثير في خواص استخدام مياه البحر وخفض الاستفادة بهـا" (2) .
والواقع أن البيئة البحرية هي معرضة لأشكال مختلفة من التلوث ناتجة عن مصادر أرضية أو برية أو نتيجة الأنشطة البحرية أو بفعل التخلص من النفايات وكذلك التلوث الذي تحدثه ناقلات البترول.
وبالنسبة للبيئة البحرية المغربية فإنها ليست في مأمن من التلوث البحري الذي تحدثه المنشآت الصناعية المتمركزة بجوار المناطق الساحلية والتي تسبب في تلويث مياه البحر بالملوثات الكيماوية الناجمة عن النفايات الصناعية المعدنية وكذلك الملوثات العضوية التي تنتج عن نفايات الصناعات السكرية والورقية والمدابغ .
هكذا بالنسبة للساحل الأطلسي نجد أن الأنشطة الصناعية المتمركزة على طول المحور الحضري الممتد بين القنيطرة وآسفي تؤدي إلى تلويث مياه المحيط الاطلسي بالملفوظات الصناعية السائلة التي تلقى في المياه البحرية دون معالجة قبلية , هذا فضلا عن الملوثات التي تحملها الأودية والأنهار حيث تستقبل البيئة البحرية المغربية حوالي 99 ألف طن من المواد القابلة للتأكسد آتية من سبعة أحواض نهرية كبرى أهمها أحواض سبو وأم الربيع وملوية وسوس (3) .
أضف إلى ذلك ما ينتج عن الكثافة السكانية بجوار الساحل الأطلسي من نفايات منزلية سائلة تصرف في المياه البحرية دون معالجة كل هذه العوامل البرية تجعل الشريط الساحلي الأطلسي الممتد من القنيطرة إلى آسفي والذي يضم أكثر من تلثي النسيج الصناعي المغربي معرض للتلوث البحري. مياه البحر الأبيض المتوسط بدورها تتعرض لظاهرة التلوث الصناعي والحضري حيث يتلقى الساحل المتوسطي كميات هائلة من المياه المستعملة الصناعية والمنزلية , كما تتعرض المياه البحرية المتوسطية والأطلسية لتلوث ذو أصل خارجي راجع لكثافة الملاحة البحرية والأنشطة المختلفة التي تعرفها البيئة البحرية المغربية ذلك أن مرور ناقلات البترول بمحاداة السواحل البحرية المغربية غالبا ما يخلف كميات هائلة من النفايات البترولية أو النفطية.
ومما لا شك فيه أن تلوث المياه البحرية يؤدي إلى تدهور خصائص البيئة البحرية كما يساهم في تردي جودة مياه الشواطئ ويؤثر في النباتات والحيوانات البحرية وبالأخص الثروة السمكية الوطنية.
2- تدهور الغابات
تكتسي الثروة الغابوية الوطنية أهمية كبيرة بالنظر للوظائف المتعددة التي تؤديها فمن الناحية الإيكولوجية تقوم الغابة بالمحافظة على البيئة إذ تعمل على مقاومة التعرية والانجراف وتساهم في تعديل المناخ والتخفيف من تلوث الهواء بالإضافة إلى تنظيمها لصبيب مجاري المياه, واقتصاديا فإن الغابة توفر المادة الأولية للعديد من الصناعات إذ تغطي قسطا وافرا من حاجيات البلاد من المواد الغابوية بمختلف أصنافها ومن الناحية الاجتماعية فإنها تؤمن العمل لأزيد من 60.000 نسمة يعيشون بداخلها أو بجوارها , فضلا عن ذلك فهي تساهم في تنمية الموارد المالية للجماعات المحلية , غير أن الثروة الغابوية الوطنية هي في تدهور مستمر إذ تقدر المساحة الغابوية المتدهورة سنويا ما بين 25.000 إلى 30.000 هكتار لذلك فإن المساحة الغابوية التي كانت تقدر بأكثر من 13 مليون هكتار سنة 1940 لم تعد تتجاوز حاليا 9 ملايين هكتار , ويمكن إرجاع تدهور الموارد الغابوية الوطنية لعدة عوامل إنسانية وطبيعية من أهمها :
• الاستغلال الكثيف للأخشاب وحطب التدفئة حيث أن حجم الاستهلاك السنوي من خشب الوقود يفوق 10 ملايين متر مكعب تقتطع من الرأسمال الغابوي.
• الاستغلال التعسفي للغابة من خلال عمليات القطع والاجتثات المباشرة
• الرعي الجائر الذي يقصد به تدهور النباتات الرعوية من قبل الماشية بواسطة الاستغلال المفرط للمراعي الغابوية مما يؤدي إلى إضعاف نموها وتدهور التربة.
• وهناك عوامل أخرى تؤدي إلى تدهور الغطاء الغابوي منها ظاهرة احتراق الغابات, الحشرات والطفيليات المتلفة للأشجار, الضغط العمراني والسياحي ثم هناك العوامل الطبيعية المتمثلة في التعرية والتصحر وانجراف التربة.
ثـــانيا : تردي البيئة الحضرية
تتعرض البيئة الحضرية بدورها لاختلالات ناتجة عن الكثافة السكانية والضغط العمراني وتطور الأنشطة الإنسانية الحضرية والصناعية , وتجسد مشكلتي السكن غير اللائق والنفايات بمختلف أصنافها وما يتولد عنهما من أضرار بيئية وصحية أهم النماذج التي تبرز التردي البيئي في الوسط الحضري.
1- انتشار السكن غير اللائق
مما لا شك فيه أن التزايد المضطرد للمجالات السكنية غير اللائقة التي تفتقد للربط بشبكة الماء الصالح للشرب والكهرباء ولا تتوفر على التجهيزات المتعلقة بالنظافة والتطهير ولا على نظام ملائم للتخلص من المياه المستعملة والنفايات المنزلية يؤدي إلى قيام تكثلات حضرية غير متناسقة تمس بجمالية النسيج الحضري وتؤدي إلى تدهور البيئة الحضرية ذلك أن "دور الصفيح" و "الأحياء العشوائية والهامشية " تسبب في تشويه المنظر العمراني والحضري وتؤدي إلى نمو لا عقلاني للمدن , خاصة وأنها تستقر غالبا في المناطق الهامشية للمدن وتتشكل من "أبنية حديدية أو طينية" تتخللها أزقة ضيقة فيها مجاري مليئة بالمياه المستعملة , إذ في غياب قنوات الواد الحار تصبح تلك الأزقة مرتعا خصبا للحشرات الضارة والحيوانات الضالة إضافة إلى تراكم النفايات المنزلية الصلبة في جنبات هذه الأحياء السكنية غير اللائقة التي تؤدي الوضعية المتردية للنظافة والتطهير فيها كذلك إلى انتشار الأوبئة والأمراض المعدية , والأمراض الناتجة عن تلوث المياه.
2- تفاقم معضلة النفايات
لقد أضحت النفايات تشكل معضلة بيئية تزيد من تعقيد مشاكل البيئة الحضرية وتؤدي إلى تدهور الوسط الطبيعي , ذلك أن التوسع الحضري والكثافة السكانية والضغط الديمغرافي والتقدم الصناعي والتكنولوجي كلها عوامل أدت إلى تفاقم النفايات بمختلف أشكالها حيث أنه في غياب وسائل وطرق ملائمة لتدبيرها العقلاني باتت تؤثر على صحة الإنسان والبيئة.
ويبين الجدول التالي تطور إنتاج النفايات بالمغرب
الجدول رقم (1) تطور إنتاج النفايات بالمغرب
السنـــــــة إنتاج النفايات (بالطن في اليوم)
1960 1600
1992 12370
1999 17413
2000 18055
المصدر : وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان والبيئة , قطاع البيئة تقرير حول
وضعية البيئة بالمغرب , أكتوبر 2001 (بالفرنسية) ص, 225.
ويتضح من الجدول أعلاه ارتفاع كميات النفايات بالمغرب في العقود الأخيرة بسبب النمو الديمغرافي والتطور الاقتصادي والاجتماعي , حيث وصل هذا الارتفاع إلى 17413 طن في اليوم في سنة 1999 في حين أن كميات النفايات كانت في سنة 1992 لا تتجاوز 12370طن في اليوم ولم تتجاوز تلك الكمية سنة 1960 , 1600 طن في اليوم.
وتتنوع النفايات حسب طبيعتها إلى نفايات غازية ناجمة عن المقذوفات الغازية للمعامل والمصانع ووسائل النقل ثم هناك النفايات السائلة التي تنجم عن الأنشطة الحضرية الصناعية والمنزلية والتي تعرضنا لها في معرض حديثنا عن تلوث المياه وهناك النفايات الصلبة التي يمكن تصنيفها حسب إنتاجها إلى نفايات صلبة منزلية ونفايات صلبة صناعية ونفايات طبية وحسب طريقة جمعها فهي تسمى " بالنفايات الصلبة البلدية" -Déchets solides municipaux- التي تحتوي على النفايات المنزلية والنفايات الحضرية الأخرى كالنفايات الصناعية والطبية والتي تتولى البلديات أو الشركات الخاصة جمعها والتخلص منها , ويقدر إنتاج النفايات الصلبة المنزلية بالمغرب سنة 1997 بحوالي 9500طن يوميا حيث أن معدل الإنتاج للفرد الواحد يتراوح ما بين 0,5 إلى 0,6 كيلوغرام في اليوم (4). وتحتوي النفايات المنزلية على 65% إلى 70% من المواد العضوية وعلى 18% إلى 20% من الورق والكارتون, و 2% من البلاستيك. وعناصر مختلفة أخرى كالأتربة والأحجار والزجاج والمعادن , كما أن نسبة الرطوبة فيها مرتفعة حيث تقدر بـ 60% إلى 70% , أما عن نسبة جمع النفايات المنزلية , فإذا كانت تقترب من 100% في الدار البيضاء والرباط فإنها لا تقدر إلا بـ40% في طنجة و 85% في الجديدة , وعلى العموم فإن نسبة الجمع في الوسط الحضري تقدر بحوالي 85% أما في الوسط القروي فتقدر بحوالي 2%.
أما النفايات الصلبة الصناعية « Les déchets solides industriels » التي تنجم عن الأنشطة الصناعية المختلفة فيقدر إنتاجها بحوالي 800 ألف طن في السنة وتتكون النفايات الصلبة الصناعية من بقايا الحديد والأوحال والأتربة (72%) وبقايا ومخلفات الإنتاج (22%) وبقايا المواد الأولية (5%) ومختلف المواد (1%).
ويوضح الجدول التالي كيفية تدبير النفايات الصلبة الصناعية التي لا يتم تدوير وإعادة استعمال « Recyclage » سوى 23% منها والباقي يلقى في الغالب في مطارح غير مراقبة.
الجدول رقم (2) : تدبير النفايات الصلبة الصناعية
طريــق التدبيـــر
(Mode de gestion) الكمية بالألف طن في الســنة
Quantité (1000 T / an)
الإنتاج (Production) 800
الجمع (نسبة الجمع 100%) (Collecte) 800
إعادة الاستعمال أو التدوير بنسبة 23% (Recyclage) 184
الإلقاء في المزابل العمومية المراقبة
بنسبة (5%) (Mise en décharge contrôlée 5%) 31
الإلقاء في المطارح غير المراقبة (Décharge sauvage) 585
المصدر : الاستراتيجية الوطنية للمحافظة على البيئة والتنمية المستديمة
وبالإضافة إلى النفايات الصلبة المنزلية والصناعية هناك نفايات صلبة أخرى وهي النفايات الطبية « Les déchets hospitaliers » التي تنتجها المؤسسات التي تقدم الخدمات الصحية مثل المستشفيات والمصحات ومختبرات البحوث الطبية وفي المغرب يقدر إنتاج النفايات الطبية بحوالي 1,5 كيلوغرام للسرير الواحد في اليوم ويمكن تصنيف محتويات النفايات الطبية غير المشعة إلى نوعين , نفايات شبيهة بالنفايات الصلبة المنزلية , ونفايات طبية خطيرة التي تنتجها الوحدات الصحية والناجمة عن العمليات الجراحية والأدوات والآليات الطبية المستعملة, والتي تخلفها أقسام طبية مختلفة كأقسام الجراحة والولادة ومختبرات دراسة الآفات التشريحية والمختبرات البيولوجية والبيوكيماوية (5) .
والمشكل الأساسي بالنسبة للنفايات الطبية هو أنه يتم غالبا التخلص منها في المطارح العمومية كما هو الشأن بالنسبة لباقي النفايات الصلبة المنزلية والصناعية دون معالجة خاصة, علما أنها تحتوي على مخلفات ملوثة قد تسبب حالات كثيرة من العدوى بالأمراض الخطيرة فما عدا بعض المراكز الصحية الكبرى المجهزة بأفران لحرق النفايات الطبية والمتواجدة في بعض المدن الكبرى, فإن معظم المستشفيات والمراكز الصحية لا زالت تتعامل مع النفايات الطبية كأنها نفايات عادية (أي نفايات منزلية) توضع في مكبات النفايات الصلبة الحضرية , حيث يتم تفريغها في المطارح العمومية إلى جانب النفايات الصلبة المنزلية والصناعية مما يشكل خطرا على صحة الإنسان والبيئة.
أما عن الأضرار البيئية والصحية للنفايات بوجه عام فتتلخص في كون النفايات السائلة تؤدي إلى تلوث مجاري الأودية والأنهار والطبقات المائية الجوفية مما يؤدي إلى انتشار الكثير من الأمراض , كالإسهال والتيفويد... أما النفايات الغازية فهي تؤدي إلى تلوث الهواء مما يسبب في انتشار الأمراض التنفسية , أما النفايات الصلبة بمختلف أصنافها المنزلية والصناعية والطبية فهي لا تؤدي إلى تدهور البيئة إلا عندما لا يتم حسن تدبيرها بإعادة استعمالها أو معالجتها إذ أن غياب الوسائل والطرق الملائمة لمعالجة النفايات يؤدي إلى أضرار كبيرة تتجسد في انتشار الأمراض والأوبئة وتكاثر الحشرات الضارة وتشويه المناظر الطبيعية , ومما يزيد الطين بلة أن تلك النفايات تساق إلى مطارح عمومية غير مراقبة حيث يتم التخلص منها بطريقة عشوائية مما يؤدي إلى تلوث المياه السطحية وتلوث المياه الجوفية بواسطة تسرب سائل النفايات المركز « Lixiviats » إلى الفرشات المائية الباطنية .
المبحث الثانــــي : سبل حماية البيئة
لمعالجة المشاكل البيئية المتعددة والمتنوعة ينبغي بالدرجة الأولى تطوير التدابير البيئية القطاعية التي تضطلع بها العديد من الهيئات الوزارية تلك التدابير التي تشمل العديد من المجالات البيئية كحماية المياه والغابات ومحاربة السكن غير اللائق ومعالجة التلوث الصناعي وتدبير النفايات والمحافظة على الصحة العامة, الأمر الذي يؤكد أن حماية البيئة هي وظيفة أفقية لا تنحصر في قطاع وزاري واحد بل هي مسؤولية تتقاسمها العديد من الوزارات دون إغفال الحرص على تنسيق التدخلات البيئية القطاعية لتلك الوزارات وصولا إلى الفعالية والمردودية عند إنجاز مختلف الأعمال البيئية, لكن إضافة إلى تقوية التدابير البيئية القطاعية تبدو أهمية القيام ببعض التدابير العامة القمينة بضمان الشروط الأساسية والملائمة لحماية البيئة بوجه عام , تلك التدابير التي ترتكز على :
- تقوية الإطار المؤسساتي والقانوني وتدعيم الوسائل المالية والبشرية و تطوير التوعية البيئية.
أولا : تقوية الإطار المؤسساتي
يشكل دعم الإطار المؤسساتي البيئي على الصعيدين المركزي والمحلي الخطوة الأولى نحو تفعيل العمل البيئي , فعلى الصعيد المركزي ينبغي تدعيم القدرات التقنية والتنظيمية والبشرية والمالية للقطاع الحكومي المكلف بالبيئة وتوسيع هياكله المؤسساتية بإحداث مؤسسات بيئية في بعض الميادين الأساسية كميدان تدبير النفايات وميدان حماية السواحل مع تفعيل الدور البيئي لباقي الهيئات الوزارية القطاعية المعنية بالبيئة التي عليها أن تتجاوب مع الخطط والبرامج البيئية التي يضعها قطاع البيئة وإشراكه في مرحلة إعداد سياساتها البيئية القطاعية , كما أنها مدعوة إلى تقوية عملها البيئي العمودي بإدماج البعد البيئي في برامجها القطاعية لذلك يتعين تفعيل دور المصالح البيئية المتواجدة بالوزارات القطاعية قصد ضمان التوجيه الفعلي لنشاط الوزارات القطاعية نحو إدماج المقتضيات البيئية في الأنشطة التنموية وصولا إلى تحقيق التنمية المستديمة.
كذلك ينبغي تقوية آليات التنسيق البيئي وبالأخص المجلس الوطني للبيئة الذي يتعين توسيع صلاحياته ومجال تدخله والحرص على تطبيق توصياته , مع تفعيل دور باقي الهيئات المكلفة بالتنسيق البيئي القطاعي كالمجلس الأعلى للماء والمناخ والمجلس الوطني والمجالس الإقليمية للغابات والمجلس الأعلى للصيد مع إحداث هيئات استشارية في مجالات أخرى كمجال تدبير النفايات والتخلص منها ومجال المؤسسات المصنفة.
أما على الصعيد المحلي فلا مناص من إحداث مصالح خارجية لقطاع البيئة تكون قريبة من المشاكل البيئية المحلية وعارفة بخصوصياتها ومستوعبة للحاجيات المحلية في هذا الميدان. لذلك يمكن إحداث بنيات مكلفة بالبيئة على المستوى الجهوي تتكلف بتنسيق وتوجيه جميع الأعمال البيئية وتضمن التنفيذ الفعلي للسياسة البيئية الحكومية على الصعيد المحلي, دون إغفال تدعيم الدور البيئي للجماعات المحلية بتمكينها من الوسائل المالية والتقنية وتأهيل أطرها البشرية قصد التصدي بحزم وفعالية للمشكلات البيئية المحلية.
ثانــيا : تقوية الإطار القانوني
لاريب أن تدعيم الإطار القانوني البيئي يستلزم بذل مجهود تشريعي يصبو إلى تجاوز الثغرات والنقائص التي تكتنف التشريع البيئي والتي تجعله متسما بالتقادم والتشتت والتجزيئ. مما يحد من فعاليته والحال أن حداثة الإشكاليات البيئية وظهور معطيات اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية جديدة هي عوامل تستدعي تحيين المقتضيات القانونية المرتبطة بحماية البيئة ذلك أن بعض الميادين البيئية الأساسية لا زالت تخضع لقوانين تعود إلى النصف الأول من القرن العشرين كما هو الحال بالنسبة لظهير 10 أكتوبر 1917 المتعلق بالمحافظة على الغابات واستغلالها , وظهير 25 غشت 1914 المتعلق بالمؤسسات المزعجة والخطرة والمضرة بالصحة , فضلا عن ذلك فإن تحديث وعصرنة التشريع البيئي المغربي يستدعي إعمال المقترب الشمولي عند التأطير القانوني لمجالات البيئة والابتعاد بالتالي عن المقاربة التجزيئية والقطاعية التي تهيمن على مضمون التشريع البيئي لصالح مقاربة شمولية مندمجة تجعل من البيئة مجموعة من المجالات المنسجمة والمتماسكة والموحدة , لذلك فإن الحاجة تبقى ملحة أيضا لإعداد مدونة قانونية بيئية موحدة في نفس السياق يفترض كذلك أن يتوخى المجهود التشريعي ملئ الفراغ القانوني في بعض الميادين البيئية الخاصة (البيئة البحرية, المناطق الرطبة) كما ينبغي إدماج مقتضيات الاتفاقيات الدولية في التشريع المغربي على أن الحماية القانونية الفعلية والفعالة للبيئة تتوقف على مدى تطبيق القوانين البيئية الأمر الذي يستدعي توفر التجهيزات اللازمة والأطر البشرية المؤهلة التي تحرص على مراقبة تطبيق القوانين البيئية فتحديث النصوص القانونية والحرص على تطبيقها هما شرطان أساسيان لجعل القانون في خدمة البيئة والتنمية المستديمة.
ثالــثا : تدعيم الوسائل المالية والبشرية
لتدعيم الوسائل الكفيلة بتنفيذ الخطط الوطنية في مجال حماية البيئة تظهر ضرورة تحسين التمويل البيئي وتأهيل العنصر البشري.
1- تحسين التمويل البيئي
تستدعي حماية البيئة رصد وسائل مالية كافية لمواجهة التدهور المتزايد للبيئة والذي تقدر تكاليفه المالية السنوية بحوالي 20 مليار درهم من ميزانية الدولة بنسبة 8,2% من الناتج الداخلي الخام علاوة على التكاليف الصحية بسبب الأضرار الناتجة عن تلوث المياه وتلوث الهواء ومشكلات بيئية أخرى , الأمر الذي يؤدي إلى فقدان أيام العمل بسبب الأمراض وتحويل الأموال للاستشفاء بدلا من الإنتاج وكل ذلك يؤثر في مستوى التنمية التي تقوم على ثلاث عناصر أساسية , العنصر المادي والعنصر البشري والعنصر الطبيعي وفيما يلي جدول يبين التكاليف المالية للتدهور البيئي بالمغرب.
الجدول رقم (3) : التكاليف المالية لتدهور البيئة بالمغرب
الناتج الداخلي الخام
% (P.I.B) التكلفة السنويـــــــــــة
(بالمليار درهم )1992
Coût annuel (milliards de dirhams) 1992 الوسط البيئي
Milieu de l’environnement
6,0% 14,5 (Eau et déchets) الماء والنفايات
1,9% 4,5 (Air) الهواء
0,3% 0,7 (Sols et milieu naturel) التربة والوسط الطبيعي
8,2% 19,7 TOTAL
المصدر : الاستراتيجية الوطنية للمحافظة على البيئة والتنمية المستديمة
يبين الجدول أعلاه التكاليف المالية لتدهور البيئة بالمغرب والتي تصل بالتحديد إلى 19,7 مليار درهم بنسبة 8,2% من الناتج الداخلي الخام وتشمل تلك التكاليف 14,5% مليار درهم تهم مجال الماء والنفايات و 4,5 مليار درهم تكاليف تلوث الهواء , في حين أن تدهور التربة والوسط الطبيعي يكلف 0,7 مليار درهم بنسبة 0,3% من الناتج الداخلي الخام. لذلك ينبغي تطوير الإنفاق البيئي وذلك بالرفع من حجم الاعتمادات المالية المرصودة لقطاع البيئة وباقي القطاعات المعنية , مع تطوير آليات التعاون الدولي باعتبارها مصدرا تمويليا أساسيا للمشاريع المرتبطة بالبيئة والتنمية المستديمة على الصعيد الوطني. كما يبدو ضروريا تطوير آليات الشراكة مع القطاع الخاص الوطني والأجنبي من أجل تمويل الاستثمارات البيئية التي تهم إحداث وإدارة محطات لتصفية ومعالجة المياه المستعملة وتوفير خدمات الصرف الصحي والتخلص من النفايات.
بيد أن الاستجابة للمتطلبات المالية المتنامية لإعادة تأهيل البيئة لا تنحصر فقط في مصادر التمويل العامة , بل يتعين نهج أساليب أخرى لتحسين التمويل البيئي , هكذا فإنه لا مندوحة عن تحميل الملوثين تكاليف إصلاح وجبر الأضرار البيئية التي يتسببون فيها إعمالا لمبدأ "الملوث يؤدي" « Le principe pollueur payeur » (5) تبعا لذلك يمكن فرض رسوم بيئية Les éco-taxes على الصناعات الملوثة واستغلال موارد تلك الرسوم في تدعيم صناديق وطنية ومحلية لمكافحة التلوث البيئي وفي تمويل أنشطة مراقبة التلوث ومكافحة الأضرار البيئية , على أن الرسوم البيئية تستهدف من ناحية أخرى تعديل سلوكيات المنتجين وتوجيهها نحو خدمة البيئة من خلال تطوير آليات الإنتاج الصناعي النظيف. ورغم أن البعض يرى أن فرض رسوم بيئية ضعيفة سيجعل الملوث يجد دائما فائدة في دفعها وبالتالي الاستمرار في تلويث البيئة عوض إقامة أجهزة لمكافحة التلوث أو معالجة المياه المستعملة , فإن فرض رسوم بيئية ضعيفة قد يكون لتفادي وضع عبئ مالي ثقيل على القطاع الصناعي الذي يجب تأهيله نحو احترام البيئة وتعويده على هذه الإجراءات الجبائية الحديثة. بالمقابل يمكن اعتماد نظام للحوافز المالية والجبائية لفائدة المؤسسات الصناعية التي تستخدم تقنيات الإنتاج الصناعي النظيف والتي تحترم المقاييس والمعايير البيئية إذ يمكن في هذا الصدد تقديم مساعدات مالية للمقاولات الصناعية التي تعمل على إحداث محطات لتصفية المياه المستعملة وإعفائها من بعض الرسوم الجبائية , لذلك يمكن إحداث صناديق لمكافحة التلوث البيئي , تستخدم مواردها في تشجيع المؤسسات الصناعية على اتخاذ تدابير وقائية وعلاجية في مجال حماية البيئة.
2- تأهيل العنصر البشري
لاشك أن مجال حماية البيئة وما يقتضيه من تدخلات بيئية على مستوى التخطيط والتنفيذ في حاجة كذلك إلى الوسائل البشرية الكافية , ذلك أن تشعب التخصصات والميادين المتدخلة في مجال حماية البيئة يستدعي التوفر على عناصر بشرية ذات كفاءة وخبرة ميدانية وتكوين معرفي متنوع في ميادين علمية مختلفة قانونية وتقنية وعلمية واجتماعية , لذلك يجب التخطيط للعنصر البشري في هذا الميدان وذلك باعتماد استراتيجية محكمة لتكوين الأطر وإعداد العنصر البشري المؤهل من الناحيتين النظرية والعملية للتعامل مع الشؤون البيئية والقيام كذلك بدورات للتكوين المستمر لفائدة الموظفين والأطر في مختلف الوزارات المعنية بالبيئة وذلك لاكتساب خبرات ميدانية ومعارف جديدة في مختلف التخصصات العلمية المرتبطة بالبيئة كقانون البيئة , واقتصاد البيئة والتدقيق البيئي ... وصولا إلى الكفاءة المطلوبة في تدبير الاشكاليات البيئية والتنموية.
رابعا : تطوير التوعية البيئية
إن من عوامل التدهور البيئي ضعف الوعي البيئي لدى الأفراد فمعظم المشكلات البيئية تنتج في أغلب الأحيان عن السلوكات الإنسانية السلبية حيال البيئة لذلك تبدو أهمية التوعية البيئية كوظيفة أساسية تستهدف بث القيم والمعارف والمفاهيم حول البيئة بين أفراد المجتمع وحثهم على الإلتزام بتصرفات إيجابية للمحافظة على البيئة.
تبعا لذلك فإن ترسيخ الوعي البيئي بين الأفراد يقتضي الاهتمام بتلقين المبادئ الأساسية في التربية البيئية من خلال المؤسسات التعليمية التي عليها أن تعمل على تزويد الفئات الواقعة داخل النطاق التعليمي بالقيم والمعارف والاتجاهات لتنظيم سلوكها قصد التعامل الإيجابي إزاء البيئة ذلك أن التربية البيئية أضحت عملية أساسية في تعميق الوعي البيئي يجب إدماجها في المقررات والمناهج الدراسية قصد دراسة البيئة في شموليتها ودراستها من الناحية الوطنية والمحلية والجهوية والدولية , مع إقامة دورات مكثفة لتدريب وتكوين المعلمين في ميدان علوم البيئة, وتعميم نوادي البيئة المدرسية وإقامة متاحف ومراكز للحياة الطبيعية وعلوم البيئة لتمكين التلاميذ من التعرف على مكونات البيئة الطبيعية , وعلى مستوى التعليم العالي ينبغي إدخال مواد دراسية تتعلق بالبيئة في مختلف التخصصات العلمية مع تطوير البحث العلمي البيئي.
على أن العمل التوعوي الهادف إلى إشاعة الثقافة البيئية والتحسيس بالإشكالات البيئية لا ينحصر فحسب في النطاق التعليمي بل يتسع ليشمل النطاق المجتمعي بجميع فئاته المتعلمة وغير المتعلمة لذلك تظهر المكانة البارزة التي تحتلها المؤسسات الإعلامية والمنظمات غير الحكومية في تعميق الوعي البيئي وتوجيه سلوكيات أفراد المجتمع نحو احترام البيئة , هكذا وقصد الوصول إلى الفعالية الإعلامية في ميدان حماية البيئة يتعين تطوير آليات وأساليب الإعلام البيئي , والرفع من الكفاءة المهنية للإعلاميين في تعاملهم مع القضايا البيئية ذلك أن تعدد الجوانب التي تطرحها القضايا البيئية تستلزم درجة معينة من العلم والثقافة لكي يستطيع الإعلامي استيعابها والتعبير عنها في شكل أخبار بيئية , فبتطوير مستوى الوعي البيئي لدى الأطر الإعلامية العاملة في الحقل الإعلامي السمعي والبصري والمكتوب يمكن الوصول إلى كشف المظاهر السلبية التي تؤثر في جودة البيئة وبالتالي إظهار النماذج الوقائية الخاصة بحمايتها من هنا تظهر أهمية تعامل الإعلام مع القضايا البيئية بشكل دائم و منتظم وليس بشكل ظرفي أو مناسباتي , بحيث يتعين تخصيص فقرة إعلامية منتظمة للتحسيس والتوعية بالقضايا البيئية في مختلف أجهزة الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة.
من جانبها فإن المنظمات غير الحكومية وبالأخص الجمعيات مدعوة إلى تكثيف أنشطتها وبرامجها الهادفة إلى تعريف وتحسيس أفراد المجتمع بالإشكاليات البيئية وتوعيتهم بأهمية المحافظة على البيئة , من ناحية أخرى فالجمعيات مدعوة إلى تدعيم هياكلها والارتباط بكل شرائح المجتمع ووضع برامج وخطط عمل مدروسة وملموسة في ميدان البيئة , وإقامة شراكات فيما بينها ووضع الآليات التنظيمية الكفيلة بتنسيق وتحفيز المبادرات التي من شأنها تدعيم التوعية البيئية.
خــــــــاتمــــــــة :
لاشك أن إهمال تطبيق الإجراءات الضرورية والشروط المفروضة لحماية البيئة يجعل من الصعب ضبط الوضع البيئي وإيقاف تدهوره وترديه , وبدون وجود رغبة أكيدة لتفعيل عمل الهيئات المكلفة بالبيئة بتقوية قدراتها التنظيمية والمالية والبشرية والتقنية للتصدي للمشاكل البيئية التي تضر بصحة الإنسان والبيئة وبدون الإقرار بأولوية المسألة البيئية وإدماج البعد البيئي في التخطيط والتنمية فإننا سنتخلف عن ركب الدول التي جعلت برامجها التنموية تهتم بمواردها الطبيعية , إذ أن التنمية الحقة هي التي توفق بين تطوير الإنتاجية والمردودية الاقتصادية والحفاظ على الموارد الطبيعية بواسطة التدبير العقلاني والرشيد لتلك الموارد.
وإذا كان الدور الأساسي في مجال حماية البيئة يقع على عاتق الجهاز الحكومي المكلف بالبيئة فإنه يجب كذلك التسليم بأن قضية البيئة هي قضية مشتركة تقتضي التنسيق والتعاون بين مختلف الإدارات والوزارات والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات العلمية والتربوية والهيئات الدولية المعنية.
------------------------------------
الهوامـــــــش :
1- مجلة الماء والبيئة , العــدد 6 , 15 مــارس 15 أبــريل 2000
2- محمد مصطفى يونس , حماية البيئة البحرية من التلوث في القانون الدولي العام, دار النهضة العربية 1996 .
3- محمد فتوحي , القضايا البيئية الكبرى دوليا ووطنيا ودور التربية البيئية في مواجهتها
السكان والبيئة بالمغرب أشغال المائدة المستديرة الثانية في مجال التربية السكانية كلية علوم التربية - الرباط
4- محمد بنجلون , قضايا البيئة , بحوث علمية وحقائق إسلامية , شركة النشر والتوزيع المدارس , طبعة 1999.
5- " مبدأ الملوث يؤدي " تم تبنيه من قبل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) سنة 1972 وحسب هذا المبدأ فإن كلفة إصلاح البيئة يجب أن يتحملها الملوث, وقد تم تكريس مبدأ "الملوث يؤدي" في فرنسا بموجب "قانون بارنيي" (La loi Barnier) الذي ينص على أن النفقات المتعلقة بالوقاية والتخفيض من التلوث ومكافحته يتحملها الملوث.
- Art 1 de la loi Barnier devenu l’article L. 110-1 du code de l’environnement qui consacre les grands principes : « (…) le principe pollueur-payeur, selon lequel les frais résultant des mesures de prévention, de réduction de la pollution et du lutte contre celle-ci doivent être supportés par le pollueur ».
المملكة المغربية
كتابة الدولة لدى وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة
المكلفة بالماء والبيئة
قطاع البيئة
القوانين البيئية الجديدة والتنمية المستدامة في المغرب: المستجدات والآفاق
ندوة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – جامعة عبد المالك السعدي- طنجة 4-5 مارس 2011
إعداد: ابراهيم زياني، مدير التقنين والمراقبة
تقديم: الحسين خيدور، ممثل قطاع البيئة لجهة طنجة تطوان
محتوى العرض
مقدمة
I. السياق العام والمقاربة القانونية
I. الإطار القانوني لحماية البيئة والتنمية المستدامة: المستجدات والآفاق
I. الآفاق المستقبلية
خاتمة
مقدمة
وضع الأسس لحماية البيئة والمحافظة عليها
مستويين للتطور
تفعيل مبدأ التنمية المستدامة
المجهود المبذول يتوج بالميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة وينسجم مع روح هذا الميثاق.
الإطار القانوني لحماية البيئة والتنمية المستدامة يشهد تطورا ملموسا وقفزة نوعية في 10 سنوات الأخيرة.
I السياق العام والمقاربة القانونية
أولا: السياق العام
المبادرة الملكية الخاصة بالميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة وقانون الإطار المتعلق به؛
الأوراش الحكومية في مجال المحافظة على البيئة والتنمية المستدامة: البرامج الوطنية والاتفاقيات الجهوية؛
على المستوى الدولي: تنامي الاهتمام بالاقتصاد الأخضر بموازاة إكراهات التغيرات المناخية.
II القوانين البيئية الجديدة والتنمية المستدامة في المغرب: المستجدات والآفاق
I السياق العام والمقاربة القانونية
ثانيا: المقاربة القانونية المعتمدة
استشارة وإشراك الفرقاء في مرحلة إعداد مشاريع النصوص؛
تكييف المستجدات القانونية في المجال البيئي على الصعيد الدولي مع خصوصيات التطور الاقتصادي والاجتماعي للبلاد؛
مراعاة نتائج الحوار والمناقشات المتعلقة بالميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة؛
الاهتمام بإشكالية تطبيق القوانين ومراعاتها في مراحل إعداد النصوص.
I السياق العام والمقاربة القانونية
II القوانين البيئية الجديدة والتنمية المستدامة في المغرب: المستجدات والآفاق
أولا: في المجال التشريعي
10 قوانين لتعزيز حماية البيئة ودعم جهود محاربة التلوث والانخراط في مسلسل للتنمية المستدامة
II القوانين البيئية الجديدة والتنمية المستدامة في المغرب: المستجدات والآفاق
أولا: في المجال التشريعي (تابع)
5 منها تضع القواعد المرجعية والآليات العملية لحماية البيئة ومحاربة التلوث
§ قانون 11.03 يضع المبادئ والقواعد المرجعية لحماية واستصلاح البيئة
§ قانون 12.03 استحدث آلية عملية للوقاية من التلوث وهي دراسة التأثير على البيئة
أولا: في المجال التشريعي (تابع)
§ قانون 13.03 يحدد قواعد وميكانيزمات وقاية الإنسان والبيئة بشكل عام من الأضرار الناجمة عن تلوث الهواء
§ قانون 28.00 يحدد قواعد تدبير إيكولوجي للنفايات بجميع أشكالها بهدف حماية الإنسان والبيئة بشكل عام من الآثار الضارة الناتجة عن سوء تدبير هذه النفايات.
§ القانون 07-22 المتعلق بالمناطق المحمية الذي يهدف إلى المحافظة على الموارد الطبيعية: الأنظمة البيئية والإيكولوجية والمنتزهات الوطنية وتحديد القواعد والضوابط القانونية المطبقة عليها.
II القوانين البيئية الجديدة والتنمية المستدامة في المغرب: المستجدات والآفاق
أولا: في المجال التشريعي (تابع)
5 قوانين جديدة تندرج في إطار التنمية المستدامة:
- 3 قوانين تتعلق في مجملها بتنمية الطاقات المتجددة:
§ القانون 09-13 المتعلق بالطاقات المتجددة يحدد الإطار القانوني لإنتاج وتسويق وتصدير الطاقة المنتجة من مصادر متجددة.
§ القانون 09-16 المتعلق بإحداث ال